جهاد الزين
23062018
النهار
مقارنةً بالسلوك الأميركي (السابق بعد أن تراجع الرئيس دونالد ترامب) على الحدود مع المكسيك من حيث فصل المهاجرين عن أطفالهم، يصبح لبنان هو “الدولة العظمى” أخلاقيا لا الولايات المتحدة الأميركية قياساً بسلوكه العام مع النازحين السوريين. فما يحب البعض المتسرّع أن يسمّيه “الموقف العنصري” اللبناني من النازحين السوريين هو اتهام “إرهابي” إعلامياً بالنسبة لمطلقيه وحالة ركيكة ومضحكة يعيشها اللبنانيون الذين يؤمنون بفكرة تفوق عنصري لبناني سيكون سخيفاً فيما لو فكروا بذلك فعلا.
نبدأ بالركاكة: أي أساس واهٍ تحمله فكرة العنصرية اللبنانية ومعظم اللبنانيين بالصدفة الديموغرافية السياسية هم لبنانيون وليسوا سوريين!؟
ثم بـ”الإرهاب الإعلامي”: في الواقع هناك منع تمارسه مصالح مختلفة لنقاش عاقل وهادئ حول موضوع النازحين السوريين بحجج مختلفة غالبا ما تلعب فيها المناكفات الداخلية اللبنانية دورا أساسيا. وهو منع في اتجاهين:
من جهة في التهويل على الرأي المنطقي القائل بأن هذه النسبة من أعداد النازحين لا يمكن أن تكون مقبولة في أي بلد في العالم وأن من حق الدولة اللبنانية (إذا كانت دولة) أن تثير وبقوة هذا الخلل البنيوي وأن تضع خطة كاملة لاستيعابه ثم تغييره. أن تواجه شبهة أي تلكؤ دولي حول الموضوع.
الفكرة الثانية التي يُمارس عليها إرهاب إعلامي، هو سياسي بالنتيجة، هي ضرورة بل بديهية التنسيق الرسمي والمباشر والسياسي بين الدولتين السورية واللبنانية خصوصا بعد أن أصبحت جميع المناطق السورية المحاذية للبنان وعلى مسافة أكثر من مئتي كيلومتر تحت السيطرة الكاملة للجيش السوري الرسمي.
المصلحة اللبنانية دون أدنى شك تتطلب من العهد الجديد أن يبدأ بكسر هذا الفراغ الرسمي بين دمشق وبيروت والذي هو نتيجة اعتبارات أهمها غير داخلي. آن الأوان لشخصيات سياسية لبنانية ومن ما كان يُسمّى سابقا 14 آذار أن تقول: كفى. إعادة النازحين، باستثناء المهدّدين أمنيا، تستلزم الدخول في تنسيق مباشر وعلى أعلى مستوى على هذا الصعيد. ليس مشكلت”ي” وضع رئيس الوزراء سعد الحريري السياسي واعتباراته، مثلما لن تكون وليست مشكلت”ي” أن تكون ارتباطات “حزب الله” حائلا دون تحسين دائم وضروري في العلاقة اللبنانية مع المملكة العربية السعودية.
هذا مستوى من المبادرة آن الأوان أن يبدأ به رئيس الجمهورية ميشال عون بعد طول تردد.من الجهة الثانية يحول “الإرهاب الإعلامي” المضاد دون طرح نقاش حول الجوانب الإيجابية على الاقتصاد اللبناني لوجود النازحين السوريين ضمن الأزمات الصحية والاجتماعية والسكنية وعموما في الخدمات البنيوية من ماء وكهرباء. صدرت بعض التقارير حول حجم الضخ المالي والاقتصادي الذي ينتجه وجود النازحين ويفيد السوق اللبناني، إلا أن دراسة دقيقة لم تصدر بعد أو لم تُكشف بعد.
في جو تراهبي (من إرهاب) كهذا ووراءه لوبيات صغيرة وكبيرة، بعضها لا شك يرتبط بفئة من المستفيدين من اقتصاد المساعدات، (مصالح مشروعة وغير مشروعة) ناهيك عن سياسة غربية لا يبدو أنها تريد حلا سريعا للحرب السورية… يصبح الوضع مفتوحا تحت الطاولة على علاقات مالية وزبائنية بين بعض المتحاربين في الإعلام وليس أكثر من مرسوم التجنيس السيئ السمعة تعبيرا عنها.
مع أنه من المضحك ربط رفض المرسوم فقط بمصالح قريبين من النظام في سوريا كما يظهر من الطعن الذي تقدمت به إحدى القوى السياسية كما لو أن الفساد محصور بهذه الجهة وعلينا إذا جاءت السمسرات والرشوات من مستفيدين معادين للنظام السوري أن نعتبر ذلك طبيعيا ومرحَّباً به. المسألة الأولى التي يطرحها مرسوم التجنيس هل هناك رشوات كبيرة وراءه أو وراء بعضه أم لا؟ إلى أي جهة انتمى هذا الفساد بتبييض أموال أو أشكال أخرى من التواطؤات.
الفساد فساد.
السيدة ميركل المستشارة الألمانية التي كانت في لبنان أمس كقائدة ألمانية وأوروبية تواجه مسألة النازحين من موقع المصالح الشاملة لـ”الامبراطورية الألمانية الثالثة” كما سمّى معلق أميركي القيادة الألمانية للاتحاد الأوروبي.
النازحون السوريون عندنا جزء من حالة نزوح سورية أساسا كادت ولا تزال تهدد حتى الهوية الأوروبية بسبب ما ساهمت به من صعود تيارات معادية لا للنزوح إلى أوروبا وحده بل باعتباره عنوان رفض للفكرة الأوروبية نفسها.
غير أن السيدة ميركل تعرف، ولاسيما من المسؤولين الفرنسيين، أن الخطر الذي يهدد الاقتصاد اللبناني مصدره سياسات هدر وفساد وتخلف بادئة طويلا قبل الأزمة السورية. ولا شك أن زيارتها للبنان، بحدها الأدنى، شاهد على استمرار تغطية دولية للاستقرار اللبناني تحول دون “انفجارنا” الاقتصادي. ناهيك عن الأمني.
فشكرا سلفاً بعيدا عن “التراهب” اللبناني بشقيه المحلي والخارجي.
jihad.elzein@annahar.com.lb
Twitter: @ j_elzein