الرئيسية / أبحاث / الإشكالية التاريخية للحدود اللبنانية – السورية: 500 كلم مقضومة ولا اعتراف بنهائية كيان لبنان

الإشكالية التاريخية للحدود اللبنانية – السورية: 500 كلم مقضومة ولا اعتراف بنهائية كيان لبنان

منذ مدة، وخلال التحضير لافتتاح لمركز أمن عام في منطقة عطا في راشيا على الحدود اللبنانية-السورية، قام مهندسون من الدولة اللبنانية، بناء على الخرائط الرسمية بتحديد المنطقة الفاصلة بين حدود البلدين، لكنهم فوجئوا بمهندسين سوريين مزودين خرائط تثبت حدودهم على بعد آلاف الامتار داخل الاراضي التي تشملها الخرائط اللبنانية، وقد أصروا على اعتماد خرائطهم وحدودهم من دون النظر الى الخرائط اللبنانية او مقارنتها. توقف العمل نظراً الى تضارب هذه الخرائط، وبعد أخذ ورد، رضخ الجانب اللبناني للخرائط السورية وأبعد المركز الى النقطة الاقرب للحدود اللبنانية، نظراً الى التعرج الذي تلحظه الخريطة السورية، وبالتالي تصوير الامر كأنه حل وسط، الّا انه بالفعل التزام تام للخرائط السورية من دون ضجة ولا قبضات مرفوعة.

ربما هذه الحالة تعكس الوضع على آلاف النقاط بين لبنان وسوريا، من الشمال وصولاً الى السلسة الشرقية وجبل الشيخ براً، وهي غير مرسمة ولا محددة بين البلدين، وهذا الامر له علاقة مباشرة بالسيادة التي تعتبر احد اركان الاوطان. ففي أوروبا، رغم فتح الحدود بين البلدين، ظلت الحدود مرسمة وواضحة وتمارس كل دولة عليها سيادتها وتخضع لقوانينها الداخلية.

عودة الكلام عن الحدود وترسيمها أثيرت في الجلسة الاخيرة لمجلس النواب من ناحية الحدود البحرية، بعد سؤال طرحه النائب نديم الجميل عن خلاف على نقطة بحرية متنازع عليها، أثارت جدلاً، لينتهي الموضوع بالتواصل مع النظام لحل القضية حبياً، باعتبار سوريا بلدا حليفا، واشتعل السجال البري من جديد بعد حديث النائب السابق وليد جنبلاط عن لبنانية مزارع شبعا، وهي ايضاً احدى النقاط غير المثبتة في الخرائط المعترف بها دولياً والموجودة لدى الامم المتحدة، وهنا لا بد من التذكير بأن لبنان أثار ترسيم الحدود البرية خلال حكومة الرئيس فؤاد السنيورة عام 2006، وطالبت الامم المتّحدة بضرورة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، ولا سيّما في مزارع شبعا، وحينها حاول وزير الخارجية وليد المعلّم أن يناور مُعلنا موافقته على ذلك، على أن يبدأ الترسيم من حدود لبنان الشماليّة، وصولاً الى جبل الشيخ، على أنه لا يمكن ترسيم منطقة مزارع شبعا، باعتبار أنها أراض محتلة.

وفي السياق، يؤكد الباحث في الجغرافيا السياسيّة الدكتور نبيل خليفة أن “لبنان بنظر السوريين محافظة سورية تابعة لريف دمشق، فالمشكلة هي مشكلة اعتراف، والاعتراف مرتبط بالحدود، والاعتراف بأنّ الدولة الجارة سيّدة وحرّة ومستقلّة يتطلّب وجود حدود متّفق عليها بين الدولتين، مشيراً الى أن النظرة السورية الى الحدود تنطلق أساساً من عدم اعتراف سوريا بوجود حدود مع لبنان.

ويقول: “عادة، الحدود بين الدول تحدد عبر ثلاثة أمور: الاول هو الانهار والبحيرات التي تشكل 36 في المئة من الحدود، والثاني هو قمم الجبال، وعادة يكون بحدود الـ26 في المئة، أما الثالث فهو الخطوط الجيومترية البرية، وهي عادة تكون على شكل خط مستقيم كالحدود المصرية -السودانية. بالنسبة الى لبنان لا مشكلة كبيرة بوجود النهر، لكن تبقى المشكلة الكبيرة في الشرق من منطقة الزمراني حتى جبل الشيخ”.

ويشرح: “كل ما يحصل اليوم في لبنان سببه رفض سوريا ترسيم الحدود معه، فالترسيم، بالفرنسيّة La Demarcation، هو غير التحديد La Delimitation، ويعني وضع رسوم للحدود على الارض عبر كتل من أعمدة حديد أو حجارة. أما التحديد أو تعيين الحدود فيقوم على وضع خريطة للحدود، وهو مسألة يمكن أن يغيّرها أيّ فريق من الفريقين عبر تغيير الخريطة.

وتجدر الاشارة إلى أنّ ثمة تعبيراً دقيقاً آخر هو nettement delimitee، أي محدّدة بدقة، ويعني الترسيم demarcation وليس التحديد أو التعيين delimitation، ويفيد بأنّ الحدود قد وضعت على الارض. ومن هنا لدينا ما بين 40 و50 كيلومترا بين منطقة الزمراني وبعلبك وضعها المفوّض السامي الفرنسي دو مارتيل عام 1935 ليمنع دخول السوريين إلى المنطقة، وقد ورد على الخريطة الخاصة بها أنّها محدّدة بدقة”.

ويؤكّد خليفة أنّ “كل المعركة التي نشهدها اليوم لها علاقة بمسألة أساسيّة هي هل لبنان دولة ذات سيادة؟ فالحدود المرسّمة frontiere demarquee هي التي تُكوّن فاصلا بين سيادتين حيث تنتهي سيادة دولة لتبدأ سيادة دولة أخرى، وهذا هو تعريف الحدود”. من هنا، وبحسب خليفة، فإنّ “ما يرفضه السوريون بشدّة ولا يقبلون بإجرائه وتنفيذه، هو ترسيم الحدود، الذي يحصل بالتوافق بين دولتين متجاورتين، مما يُعطي هذه الحدود شرعيّة لكونها قائمة على التوافق. فالترسيم لا يمكن أن يصدر عن طرف واحد. والعمليّة تبدأ بتثبيت الحدود ماديا على الارض”.

وعن مزارع شبعا يقول: “المزارع كانت لبنانية واصبحت سورية، ويمكن أن تعود لبنانية، لكنها لن تعود. فقد حدد إعلان المندوب السامي الفرنسي لبنان الكبير من الناقورة الى النهر الكبير ومن البحر المتوسط الى قمم الجبال في السلسلة الشرقية وجبل الشيخ، ولكن بعد عام 1948 وتمدد المستوطنات الاسرائيلية والخلاف السوري- الاسرائيلي، رسم السوريون خرائط جديدة وقدموها للامم المتحدة واعتمدت حينها، ولم تعد هناك خرائط تناقضها. ولبنان يمكنه استعادة الخرائط الفرنسية وتقديمها والقتال من أجلها، لكن ذلك لم يحصل لأن بقاءها على الحال التي هي عليه هو مصلحة مشتركة بين السوريين والاسرائليين وجزء من اللبنانين، وكل له أسبابه وخلفياته ودوافعه التي تلتقي في امكان ابقاء الوضع على ما هو”.

يذكر أن مندوبي الامم المتّحدة درسوا الحدود منذ اكثر من 15 سنة، وتبيّن لهم أنّ سوريا قضمت 4,5 في المئة من الاراضي اللبنانيّة باستثناء أراضي مزارع شبعا، فإذا جمعنا هاتين المساحتين نجد أنّ المساحة المقضومة هي حوالى 500 مليون متر مربّع، أي 500 كيلومتر مربّع من أصل مساحة لبنان، وهذا يؤدّي بسوريا إلى تحقيق هدفين: الاوّل حيازة مساحة أكبر من الارض كمزارع شبعا، والثاني هو عدم تثبيت نهائيّة الحدود مع لبنان، فتثبيت نهائيّة الحدود يثبّت نهائيّة الدولة والكيان”.

اضف رد