روزانا بومنصف
أيار 2017 | 8
وسط الرهانات على الانتخابات الفرنسية والمخاوف من فوز زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن حاملة الشعارات الشعبوية ضد المسلمين وأوروبا وامور اخرى، تصاعدت من الولايات المتحدة ملامح ازمة سيدفع ثمنها الشعب الاميركي نتيجة التزامات شعبوية تعهد بها الرئيس دونالد ترامب. فالغاء مجلس النواب الاميركي قانون إصلاح نظام الرعاية الصحية للاميركيين المعروف بـ”اوباما كير” نسبة الى وضعه من الرئيس الاميركي السابق اوباما والذي عنوانه توفير التأمين الصحي للاميركيين بتكلفة منخفضة ينذر بإدخال الشعب الاميركي في متاهة خطيرة انطلق الاعلام الاميركي في التحذير من تداعياتها. ولم يقدم ترامب بديلا اهم من قانون سلفه للرعاية الصحية مقدار ما سعى الى تسجيل انتصار سياسي على خلفية الانتقادات او المعارضة سابقا من الجمهوريين لهذا القانون. ومع ان الرئيس الاميركي يقول ان لديه بديلا أفضل فانه خاض مغامرة سيدفع ثمنها الشعب الاميركي في اطار تسجيل النقاط في الصراع السياسي الداخلي وفي انتظار ان يقدم خطة أفضل للرعاية الصحية على رغم استبعاد ذلك قياسا على المقاربة التي يعتمدها الرئيس ترامب حتى الان والتي تفيد بانه يوجه رسالة الى ناخبيه بانه ينفذ ما وعد به لكن من دون ان يكشف العواقب او الاثمان الباهظة لذلك. وسيمر وقت قبل ان يكتشف الاميركيون ان دعمهم لما حاكى بعض مشاعرهم لا يصب في مصلحتهم على غرار ما سيترتب على خطة الرعاية الصحية التي ستكلف اموالا طائلة.
وليس لبنان وان كنموذج لحق بالركب الشعبوي والبعض يقول سبق الاخرين اليه ببعيد عن النتائج الشعبوية ولو ان الرئاسة الاولى لا تنتخب مباشرة من الشعب ولا القرارات المصيرية تتخذ عبر استفتاء شعبي. لكنه بات يعاني بقوة من الشعبوية السياسية خصوصا في بلد تكتنفه ظروف طائفية معقدة. فالالتزامات التي دفع بها الرئيس العماد ميشال عون الى الواجهة قبل انتخابه رئيسا حين كان لا يزال مرشحا وفرض مع حلفاء سياسيين له ان تكون خيارات وحيدة في شأن رفض التمديد للمجلس النيابي او رفض قانون الستين تولى السعي الى وضعها موضع التنفيذ فورا عبر رفضه توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة بناء على القانون النافذ. اصبح البلد على الأثر ومنذ اشهر بعد انطلاق الولاية الرئاسية رهينة مقاومة السعي الى الفراغ الذي يتقاذف الافرقاء السياسيون الكرة في شأن الدفع اليه او رفضه. لكن البلد بات امام معضلة لا تقل خطورة عن تلك التي أرهقته واستنزفته لمدة عامين ونصف من تعطيل الانتخابات الرئاسية. فالزعماء الشعبويون الذين يخوضون غمار دغدغة مشاعر الناس عبر شعارات سياسية جذابة قد يساهمون من حيث شاؤوا ام لم يشأوا في الازمات السياسية التي لا تعبر ضرورة عن مصلحة شعوبهم بل عن مصالحهم الخاصة بنوع اكثر دقة ما داموا يسعون الى تنفيذ تعهداتهم من دون بحث في الاثمان المُحتملة. وعلى رغم ان احدا لا يرغب في فتح باب سجال مع رئيس الجمهورية في هذا الاطار انطلاقا من انه كان منسجما مع قناعاته، فان الكلام في الكواليس مختلف لجهة ان لبنان الذي يحتاج بشدة الى ان ينهض من مرحلة تشارف الانهيار على المستوى الاقتصادي لم تؤخذ اوضاعه الاخرى في الاعتبار في اطار السعي الى ايجاد قانون انتخابي يستجيب بعض التطلعات. فالانشغال القاتل بموضوع قانون الانتخاب حيد الاهتمام عن قطاعات مهمة لعل كلام منسق الامم المتحدة للشؤون الانسانية فيليب لازاريني في نيويورك حول اللاجئين في لبنان وما قاله لجهة الحاجة الملحة للبنان لتعزيز الثقة بالاقتصاد اللبناني وتعزيز فرصة او قدرة لبنان على الافادة من الاستثمارات الدولية جنبا الى جنب مع دعم البحث في اطار وطني في سبل اعادة احياء القطاعات الاقتصادية الاساسية، هو بمثابة سكب مياه باردة على رؤوس المسؤولين اللبنانيين. وثمة من يعتبر ان الشعبوية التي ساهمت في الوصول الى الرئاسة يمكن اعتمادها على طول الخط من دون ان يعني ذلك عدم خوض معارك سياسية تهدف الى تحقيق تطلعات الشعب لكن ثمة فارقا بين تلبية التطلعات الشعبية وبين العزف على وتر غرائز الشعب او فئات منه او هواجسهم وفق ما يتهم سياسيون البعض باعتماد الاسلوب نفسه في البحث عن قانون انتخابي من دون حتمية ان تكون الحلول وفق ما يجنب ازمات اكبر.
وتبدو هذه من النقاط المشتركة في المد الشعبوي الذي يكشف وجود مشكلات كبيرة لم تعد السياسة التقليدية تقدم اجوبة شافية لها. ويرى بعض السياسيين ان هذه الظواهر وان اختلطت فيها اعتبارات متعددة انما مختلفة من بلد الى اخر فهي تجيب عن محاكاة لقلق ما يندفع الى الواجهة لكن من دون ان يعني ذلك ان الحلول ستكون متميزة او انها ستكون متوافرة خصوصا ان هذه الظواهر الشعبوية تأتي على خلفية خلافية وانقسامية كبيرة وليس على خلفية اجماع مجتمعي موحد الرؤية. وذلك فيما لا يظهر القادة الشعبويون قدرا من الاستيعاب والرؤيوية البعيدة المدى.
rosana.boumonsef@annahar.com.lb