موناليزا فريحة
النهار
28032018
عندما يقول الكاتب البريطاني روبرت فيسك إن الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي سيفوز في الانتخابات الرئاسية مجدداً بفضل الصوت المسيحي، نخال أن الاقباط صاروا فجأة “بيضة القبان” في انتخابات تعددية تحتدم فيها المنافسة وتُحبس خلالها الانفاس في انتظار الفائز، مع ان الاقتراع يتنافس فيه رئيس مع نفسه، ونتائجه معروفة حتى منذ ما قبل تحديد موعده.
لطالما أُخذ على اقباط مصر تأييدهم للنظام الحاكم وسعيهم الى كسب وده أملاً في حمايته، شأنهم في ذلك شأن مسيحيي العراق وسوريا وغالبية الاقليات التي تعيش في ظل أنظمة استبدادية في المنطقة. وأدى صعود الاسلاميين في مصر إلى جعل المسيحيين هناك هدفاً مشروعاً لتياراتهم. لذلك، أزاحت اطاحة نظام الرئيس محمد مرسي من السلطة عبئاً كبيراً عن كاهل الاقباط.
ومع ذلك، لم يكن ولاء مسيحيي مصر لنظام السيسي وقبله لنظام مبارك، سبباً في انتخاب هذا أو اعادة انتخاب ذاك. ففي بلد اعتاد الانتخابات المزورة والبرلمانات الزائفة، على حد وصف فيسك، قد يخرج الاقباط مثلهم مثل غيرهم للتصويت من دون حماسة للرئيس القوي. بيد أن أصواتهم لن تكون هي التي ستعيد السيسي بنسبة لن تقل بالتأكيد عن 96% التي حصل عليها عام 2014، ولا حتى هي التي تؤثر في نسبة المقترعين بعد حملة انتخابية شهدت أبشع أنواع الترهيب.
ينطوي كلام فيسك على كثير من المبالغة بتحميله الاقباط المسؤولية عن سلوك رئيسهم. وبقوله إنهم سيذهبون بإخلاص للتصويت للرجل الذي تحكم شرطته السرية الساحة السياسية في مصر، والذي أعاد اعتبار التعذيب أمرًا روتينيًا للأجهزة الأمنية، بل الرجل الذي يعتقل أو يعتدي على خصومه السياسيين، والمدونين، والطلاب، والعسكريين، كأنه يقول إن هؤلاء الناخبين يختارون الأسوأ بدل السيئ أو الاقل سوءاً، علماً أن المرشح واحد وحيد، والآخر ليس إلّا سياسياً من أشد المتحمسين للرئيس.
في الصورة الملتبسة التي يرسمها الكاتب للسيسي تحريض على الاقباط. فمن جهة يتحدث عن الاختفاء القسري والشنق والقتل في أقسام الشرطة معتبراً أنها صارت ظواهر يومية معتادة بالنسبة الى المصريين، ومن جهة أخرى يشيد بانفتاح الرئيس على المسيحيين، مشيراً الى انه سمح ببناء خمس كنائس جديدة على الأقل، ودك معاقل الإسلاميين في طرابلـس ردًا على ذبح 21 قبطيًا مصريًا على الشاطئ، وبنى لهم كنيسة في مسقط رأسهم تخليدًا لذكراهم، والأهم أنه كان أول رئيس مصري يحضر بنفسه قداس عيد الميلاد.
لا تخدم هذه المبالغة الا الفرضية الغربية القائلة إن حكاماً كالسيسي على علّاتهم، هم البديل الوحيد من الطوفان المتمثل بالاسلاميين، وأن الفضل في اعادة انتخاب السيسي يعود الى الغرب لا الى الاقباط.
monalisa.freiha@annahar.com.lb