سركيس نعوم
النهار
17012018
الوضع الثاني المحتمل في سوريا، يقول القريبون اللبنانيون من طهران أنفسهم، هو استرجاع رئيسها بشار الأسد محافظة إدلب المحاذية لتركيا والخاضعة لنفوذها. ويؤكدون أنه اتخذ قراره بذلك، وهو قيد التنفيذ في الغارات اليومية الجوية لطيرانه الحربي و”زميله” الروسي. ويعرف الأسد أن الموقف الذي ستتخذه تركيا من قراره المُشار إليه مهم جداً. فرئيسها رجب طيب أردوغان لن يرتاح الى “تشليحه” نفوذاً سياسياً وعسكرياً وشعبياً في محافظة إدلب باستعادة النظام السوري لها، وهو المعادي له والمطالب بتنحّي رأسه والمشجّع أعداءه بالسلاح والمال والتهريب. لكنه في الوقت نفسه لا يبدو مرتاحاً الى دعم أميركا لـ”أعدائه” الأكراد السوريين، ولقرارها تحويل مقاتليهم جيشاً يرابط شرقي الفرات وعلى الحدود التركية – العراقية. كما لا يبدو مرتاحاً الى عدم حسم روسيا موقفها منهم والى تعاونها معهم. لذلك يعتقد الأسد أن أردوغان قد لا يمانع عملياً رغم اعتراضه اللفظي والديبلوماسي في انقضاض جيشه على إدلب. والسبب هو اقتناعه أو بالأحرى معرفته أن نجاح حملة سوريا ستقضي على استقلالية أكرادها، وستنهي حلمهم بإقامة كيان يتمتع بالحكم الذاتي في شريط حدودي سوري مجاور لحدودها مع تركيا، وسيؤثر ذلك طبعاً في صورة سلبية على الأحلام المتنوعة للأكراد الأتراك المتدرّجة من الحكم الذاتي الى الانفصال وإقامة الدولة. أما الوضع الثالث المرتقب في سوريا فهو تحرير المناطق التي تسيطر عليها في الغوطة (جوار دمشق) فصائل إسلامية “جهادية تكفيرية” عدة، وتالياً القضاء على تهديدها الاستقرار الأمني المشهود في دمشق بهجمات صاروخية بين وقت وآخر.
ويعتقد الأسد، استناداً الى القريبين من طهران أنفسهم، أن استعادة إدلب وجوار العاصمة السورية يحتاج الى عمليات عسكرية تحتاج بدورها الى مدة تراوح بين 12 شهراً و18 شهراً لإنجاز مهمتها. أما الهدف الأساسي الذي يسعى الى تحقيقه بعد كل الانتصارات المرتقبة والأخرى التي حققها سابقاً، فهو الاستعداد بقوة لمرحلة ما بعد انهاء المعارك العسكرية في بلاده بل الحرب ولبدء مرحلة “القطاف السياسي” إذا جاز التعبير على هذا النحو. و”القطاف” في رأيه هو بقاؤه على رأس النظام بل بقاء النظام نفسه مع تحسينات شكلية لا “تغُشّ” أعداءه ومعارضيه، واعتقاده أن القوى الأساسية الإقليمية والدولية الداعمة له لن تعارض ذلك، وأن القوى الاقليمية والدولية الأخرى أي المعارضة له لن تمانع عملياً جرّاء التطورات المعروفة. وفي هذا المجال يشير هؤلاء الى أنه يتصرّف في المجالات غير العسكرية على نحو يوحي أنه مقتنع ببقائه في موقعه في نهاية المطاف. فهو يجري تلزيمات لمشروعات مهمة عدة ويتعاقد مع دول لتنفيذ مشروعات ضخمة. لكنه في عمله هذا يحاول أن يترجم اقتناعاً تكوّن عنده بعد “معاناته” مع الغرب ودوله الكبرى، كما مع الدولة الأعظم في عالم اليوم أميركا، بأن من الأفضل لبلاده كما لدول المنطقة التي تشاركه المواقف والسياسات والاستراتيجيا التوجه شرقاً والاستغناء عن الغرب حيث يمكن ذلك. وصار ذلك ممكناً في رأيه الى حد بعيد. لكنه يواجه نوعاً من الاعتراض على هذا التوجّه الاستراتيجي الجديد من الكثيرين في الداخل ولا سيما من محيطه والعاملين معه والمؤيّدين لقيادته. ويعطي القريبون أنفسهم مثلاً على ذلك هو طرح “النظام” السوري مناقصة لشراء باصات كبيرة لمرحلة ما بعد الحرب، وهي حاجة مهمة لسوريا المترامية الأطراف. وقد اشتركت فيها دول ثلاث هي روسيا وإيران الاسلامية وألمانيا. لكن الوزير المعني رفض عرضي الدولتين الأولييْن، وأصرّ على قبول العرض الألماني رغم أن أسعاره أعلى من أسعار عرضي روسيا وإيران، فقط لاقتناعه بأن التكنولوجيا الألمانية واستطراداً الغربية أفضل وبأشواط. وهذه مشكلة لا يمكن حلّها الا بتغيير الثقافة الشعبية وثقافة السياسيين والأحزاب حتى “المعادية” منها للغرب، وذلك لا يمكن أن يحصل بين ليلة وضحاها. ومعاناتها لا تقتصر على سوريا. فهي موجودة في إيران عند شعبها وسياسيّيها وبعض حكّامها. وانهاؤها بتغيير “الثقافة” المؤمنة بأن “كل إفرنجي برنجي” يحتاج الى وقت طويل، علماً أنه قد لا يتحقق إذا تغيّرت العلاقات الاقليمية – الدولية الغربية المتوترة أو تحسنت قليلاً.
هل في توقعات الأسد تفاؤل مبالغ فيه؟ ربما. لكن لا يمكن الحكم قبل الوصول الى نهاية الأزمة – الحرب السورية. علماً أن نظامها المرجح أن يكون فيديرالياً لا بد أن يبقي له أو لـ”أقليته” دوراً ما.
ماذا عن إيران واحتجاجاتها الشعبية الأخيرة؟