24-07-2023 | 00:20 المصدر: “النهار”

علم لـ”حزب الله” وُثّق في مسيرة للتصوير. (أرشيفية- “أ.ف.ب”).
أظهرت المعطيات في #اللقاء الخماسي الاخير في #الدوحة والنقاط التي اثارها بيانه الختامي، تغييراً في صيغة اجتماع باريس في 6 شباط الماضي، والتي استندت إليها باريس في مبادرتها اللبنانية ونسجت خيوط مقايضتها على رغم الخلاف بين الدول المشاركة، خصوصاً بين فرنسا والسعودية والولايات المتحدة الاميركية، فيما كانت قطر تغرد في سياق مختلف بالعلاقة مع مختلف الاطراف في لبنان وتستكشف إمكان طرح مرشح تسوية هو قائد الجيش جوزف عون. والواقع أنه بعد الدوحة 2023 لن يكون كما قبلها في مقاربة الواقع اللبناني الذي يختلف اليوم عن كل مراحل الازمات التي مر بها البلد منذ تأسيسه.
أول المستائين من وجهة اللقاء الخماسي الجديدة هو “الثنائي الشيعي” ولذلك اسباب لا ترتبط فقط بما يعتبره إسقاطاً للمبادرة الفرنسية وفكرة الحوار التي تشكل تقاطعاً معها، إنما ما يعتبره “#حزب الله” استهدافات له، ومحاولة لتطويقه وإضعافه، وذلك على الرغم من أن الدول الخمس شددت على ضرورة الالتزام باتفاق الطائف وتطبيق القرارات الدولية، وهي عناوين أساسية لعودة الدولة وتحقيق الاستقرار وانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة تواجه الانهيار في البلاد. وإذا كانت الدول الخمس قد غيّرت مقاربتها للملف اللبناني، إلا أن المسار الجديد يحتاج وفق مصدر سياسي إلى وقت ليتبلور بصيغة مشروع قادر على تطويع الاستعصاءات الداخلية، إذ لا يمكن اعتبار التدخل الخارجي اليوم وإن كان يلوح بالعقوبات نتيجة لصفقة إقليمية ودولية تحمل لواء التسوية ويمكنها أن تحسم في إنجاز الاستحقاقات الدستورية.
التسويات اللبنانية التي فرضتها متغيرات إقليمية ودولية وصفقات بعد خروج الوصاية السورية، وأبرزها تسوية الدوحة عام 2008، ثم تسوية انتخاب الرئيس ميشال عون عام 2016 بعد تعطيل استمر سنتين، ليست متاحة اليوم باندفاعة اللقاء الخماسي، فالحلول التي حدثت برافعة إقليمية ودولية، غيّرت الكثير في الصيغة اللبنانية وكرّست وقائع داخلية، لم يعد معها الداخل منفتحاً على أي تسويات، بصرف النظر عن نتائج الانتخابات النيابية عام 2022، طالما أن فترة حكم الرئيس عون رسخت ممارسات في الحكم وأعطت قوى الأمر الواقع مزيداً من الهيمنة، أبرزها قوة “حزب الله” بدوره المحلي والإقليمي. علماً أنه قبل العام 1990 ورغم الحروب الأهلية كان لا يزال ممكناً انتاج تسويات كما حدث مع اتفاق الطائف، لكن الوصاية السورية التي استمرت 15 سنة أي حتى 2005 عطلت إمكان انتاج حلول داخلية للأزمات، إلى أن انفجرت البلاد بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2004، لكن بفارق بسيط هو أن دول الخارج كانت لا تزال مهتمة بلبنان، على رغم الصراع الإقليمي والدولي في المنطقة.
ما يحدث اليوم أنه لأول مرة منذ انتهاء ولاية عون قبل أكثر من ثمانية أشهر ونصف الشهر، تتفق الدول الخمس على وجهة واضحة للملف اللبناني يفتح على أفق جديد للاستحقاقات، ويمكن أن تتفاوض على اساسه مع المحور الإقليمي الآخرالذي تمثله إيران. لكن هذه الوجهة لا تزال وليدة وتحتاج إلى مراكمة خطوات للتوصل إلى أي تسوية أو صيغة تلاقي لإنجازالاستحقاق الرئاسي. وعلى هذا الاساس سياتي المبعوث الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت حاملاً عناوين اللقاء الخماسي، وسيطرح الامور من نقطة الصفر وفق المصدر السياسي، على الرغم من أنه سيواجه استعصاءات عديدة خصوصاً من تحالف “الثنائي الشيعي”، وقد يستمر في وساطته لأشهر قبل أن تنضج الظروف المواتية للتسوية.
لن تكون مهمة لودريان الجديدة سهلة مقارنة مع المبادرة الفرنسية السابقة. فالمبعوث الرئاسي الفرنسي سيتحدث هذه المرة باسم الدول الخمس لبنانياً بالتوازي مع حركة السفراء المتواصلة خصوصاً السفيرين القطري والسعودي. لكن من السابق لأوانه البناء على إمكان إحداث خرق خارجي في وقت قريب، ما لم يترافق الحراك مع ملفات إقليمية أخرى خصوصاً ما هو مرتبط بالحدود اللبنانية – الإسرائيلية، وبملف التنقيب عن الغاز والنفط، وايضاً بملف النازحين، والعلاقة مع سوريا في ضوء التصعيد الجديد بين الإيرانيين والاميركيين. كما أن المسار الذي الذي يجري الحديث عنه ويقوم على التفاهم لانتخاب قائد الجيش يحتاج إلى رافعة دولية ووعاء لبناني أو صفقة مع الإيرانيين، وهو مسار يواجه تعقيدات داخلية، إذ أن “حزب الله” لا يتخلى عن مرشحه سليمان فرنجية، فيما يرفض رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل هذا الخيار، وهو ما يعني أن الوصول إلى تسوية إذا توفرت مقوماتها يحتاج إلى بضعة اشهر إضافية حبلى بالمفاجآت.
يشير الواقع الراهن لبنانياً إلى أن الفراغ قد يستمر لأجل غير محدد، فلا أرضية جاهزة داخلياً لبلورة تسوية بفعل الاستعصاءات والعجز عن التحاور أو انتاج حلول، وإن كان الاهتمام الخارجي بلبنان فتح مساراً مختلفاً لكنه لا يعتبره من الأولويات. كما أن الأوضاع الخارجية الآن في ضوء التطورات على أكثر من محور وجبهة بين الإيرانيين والاميركيين لا تشير إلى إمكان بلورة صفقة مدفوعة بمتغيرات كبرى تنعكس على لبنان، باستثناء الحديث عن ضرورة المحافظة على الاستقرار والتدخل في حال الخطر. ولذا ستتكثف التحركات الخارجية للدول المهتمة بلبنان في الفترة المقبلة، قبل أن تتدحرج الأوضاع الداخلية الى تطورات أمنية وانهيارات مالية واقتصادية لا يعود معها الحديث عن التسوية ممكناً، لا بل تتجه الامور إلى انفراط الصيغة اللبنانية وتهدد الكيان. ويقول المصدر السياسي أن دول اللقاء الخماسي ستسعى إلى منع التدهور مع انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان، لكن لا شيء مضموناً من انهيار وشيك وإضافي للوضع المالي ولليرة قد يشكل ضغوطاً كبيرة على الجميع، وقد تكون له تداعيات خطيرة إذا تواصل حتى مطلع السنة الجديدة تاريخ انتهاء ولاية قائد الجيش جوزف عون ، بحيث يشمل الفراغ كل المواقع المسيحية الأساسية في البلاد.
الصورة اللبنانية في ضوء تغيّر استراتيجية الدول الخمس بين باريس والدوحة، تنبئ بمزيد من الكباش الداخلي بين محور الممانعة والقوى المعارضة لها، مع إمكان تغير التحالفات مع السياسية. كذلك باتت الدول الخمس مقتنعة بأن الحوار اللبناني وفي ظل الظروف الراهنة لن يصل إلى نتيجة في ظل الخلافات المستحكمة بين أطراف الصراع. ويتوقع المصدر السياسي أن تشهد البلاد تصعيداً من “الثنائي الشيعي” خصوصاً “حزب الله” ضد ما يعتبره “التدخلات الخارجية” التي انبثقت من اجتماع الدوحة وقوّضت المبادرة الفرنسية للحوار، ويتهم هذا المحور الولايات المتحدة الأميركية بالعمل على منع أي انعكاس إيجابي للتقارب الإيراني – السعودي على لبنان. لذا سيكون لبنان أمام أخطار محدقة خصوصاً مع تأهب محور المقاومة للمواجهة، وهو يعتبر أن حراك الخماسية الجديد يحاول تجاوزه بتحريض أميركي، الامر الذي يفتح على احتمالات تصعيد أمني وسياسي لتكريس الهيمنة وفرض وقائع جديدة. وعليه سينتظر البلد استحقاقات خارجية ومتغيرات إقليمية ودولية لإنضاج تسوية داخلية لا تزال بعيدة، لكن يمكن أن يتغير معها كل شيء في لبنان.
ibrahim.haidar@annahar.com.lb
Twitter: @ihaidar62