الرئيسية / home slide / إيكونوميست: المنطقة العربية تشعر بأن اللحظة الشيعية انتهت وخفت معها وميض “الهلال” 

إيكونوميست: المنطقة العربية تشعر بأن اللحظة الشيعية انتهت وخفت معها وميض “الهلال” 

منذ 10 ساعات

إبراهيم درويش
25032023

لندن- “القدس العربي”:

نشرت مجلة “إيكونوميست” تقريرا حول تراجع المد الشيعي، وأن وميض الهلال الشيعي بدأ يخفت، فرغم سيطرة الشيعة على العراق، إلا أن صعودهم بدأ يفقد الزخم.

وقالت المجلة إن زيارة المزار الكبير الذي بني حديثا في أكبر مقبرة بالعالم في مدينة النجف أصبح بمثابة نقطة حج للكثير من سكان المنطقة، والهدف هو السلام على اثنين من أبطال الشيعة في العصر الحديث، الأول هو قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الإيراني، أما الثاني فهو أبو مهدي المهندس، قائد مجموعة من الميليشيات الشيعية. وكلاهما قُتل قبل ثلاث سنوات في غارة أمريكية قرب مطار بغداد. ودفن المهندس في مقبرة السلام حيث الضريح الجديد، أما سليماني فدفن في جنوب إيران.

وتأتي الحافلات المحملة بالزوار من لبنان والبحرين وإيران والعراق لزيارة الضريح، وتقديم التحية لرجلين منحا الطائفة التي تمثل 15% من مسلمي العالم، لحظة نادرة من النصر في المنطقة. وقال مسلح لبناني: “لن نكون أبدا ماسحي أحذية ومنظفي شوارع في الشرق الأوسط”، في إشارة للتسيّد السني على مدى القرون الماضية في مصر والسعودية وتركيا.

وميض الهلال الشيعي بدأ يخفت، فرغم سيطرة الشيعة على العراق، إلا أن صعودهم بدأ يفقد الزخم

والمفارقة هي أن الغزو الأمريكي للعراق قبل عشرين عاما، كان سبب عودة الشيعة وصعودهم. فقد جاءت الثورة الإسلامية في 1979 لرفع مكانة الطائفة، إلا أن تفكيك نظام صدام حسين هو الذي طبع انتشارها. وتم استبدال نظام صدام بنظام سياسي وضع الشيعة في المكان الأول. وساعد الربيع العربي في 2011 الذي هز الشرق الأوسط، إيران للدخول وملء الفراغ.

وتحت الهراوة الإيرانية، تدفق المسلحون الشيعة إلى سوريا من مناطق بعيدة مثل أفغانستان وباكستان. وفي لبنان، أصبح حزب الله، القوة السياسية المهيمنة. وفي اليمن، دخلت حركة سياسية إحيائية تحت راية الحوثيين العاصمة صنعاء. وشنّ الحوثيون من الشمال والغرب والشرق هجمات بالطائرات المسيرة ضد السعودية، مركز الإسلام السني، وضربوا القصور الملكية في العاصمة الرياض، وأوقفوا لفترة قصيرة إمدادات المملكة من النفط.

وفي عام 2004، حذر الملك الأردني عبد الله الثاني من “هلال شيعي” جديد بات يعرّض العالم السني للخطر.

وتجتذب المزارات الدينية في النجف وكربلاء، زوارا أكثر مما تجتذب مكة. وهزم المقاتلون الشيعة، تنظيم الدولة الإسلامية الذي أقام خلافة في معظم العراق وسوريا، وراكموا ترسانة من الأسلحة بحوالي 150 ألف صاروخ موجهة نحو إسرائيل، وحققوا حلما طويلا بالوصول إلى البحر المتوسط عبر العراق وسوريا إلى لبنان.

ورغم كل ذلك، فهناك شعور بأن اللحظة الشيعية قد انتهت. فإيران مركز الشيعة، تواجه مشاكل في الداخل ومن قيادتها العجوز المترددة. أما العراق، فغارق في الفساد وينتشر فيه العنف المتقطع وسوء الحكم. وتتخمر عدة أزمات في كلا البلدين.

ويقول علي طاهر الذي يدير مركز البيان في بغداد: “هناك شعور بأن النظام الإسلامي وصل إلى طريق مسدود”.

إيران مركز الشيعة، تواجه مشاكل في الداخل ومن قيادتها العجوز المترددة. أما العراق، فغارق في الفساد وينتشر فيه العنف المتقطع وسوء الحكم

وواحد من الأسباب، أن رجال الدين الشيعة لم يكونوا جيدين في إدارة الاقتصاد، مما أدى إلى تراجع الدخل وانهيار العملات وارتفاع معدلات التضخم في كل أنحاء الهلال الشيعي. وأصبح سعر العملة السورية 7550 ليرة مقابل الدولار الأمريكي الواحد، وهو ارتفاع هائل مقارنة مع سعر الصرف قبل الربيع العربي في 2011 حيث كان 47 ليرة مقابل الدولار.

وعانى اقتصاد إيران منذ خروج الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في عام 2018. وانخفض سعر صرف العملة الإيرانية من 45000 ريال للدولار الواحد، إلى 580000 ريال. وقبل الثورة في 1979، كان سعر الدولار هو 70 ريالا.

وربما كان العراق مهيأ أكثر لقيادة المد الشيعي، نظرا لارتباطه بالاقتصاد العالمي تحت الرعاية الأمريكية، إلا أن قادته بددوا ثروته النفطية. وفي كل المنطقة، استغل زعماء الميليشيات الشيعية السوق السوداء، وأشرفوا على حلقات تهريب وإنتاج المخدرات. وحتى في لبنان الذي كان يعتبر المركز المصرفي للشرق الأوسط، فقادة حزب الله أسهموا في سوء الإدارة الكارثية للاقتصاد.

وتضاءلت الديمقراطية في إيران التي نصّبت نفسها كمثال عن الحكم الشيعي، حتى في داخل الدائرة الضيقة من الحكم الديني. فقد كانت المشاركة في انتخابات 2021 هي الأدنى منذ عام 1979. وانخفضت وسط شيعة العراق من 80% بعد انهيار نظام صدام حسين، إلى أكثر من النصف، وربما 20% في 2021. وعندما تفوق المرشحون المستقلون في استطلاعات الرأي في الضواحي الجنوبية من العاصمة بيروت، قيل إن الدعم لحزب الله الذي لا يزال يهمين على المناطق، تراجع.

ولعل أهم صورة عن تراجع المد الشيعي هي إيران نفسها التي تشهد مظاهرات منذ العام الماضي، فرغم أن البلد ليس غريبا على التظاهرات التي تندلع في المدن ثم تنتشر في الأقاليم، إلا أن احتجاجات العام الماضي ضمّت الطبقة العاملة، قاعدة النظام والطلاب، وحتى الطبقة المتوسطة.

وبحسب استطلاع، فإن نسبة 80% من الإيرانيين يؤيدون التظاهرات الحالية.

أحد أسباب التراجع، أن رجال الدين الشيعة لم يكونوا جيدين في إدارة الاقتصاد، مما أدى إلى تراجع الدخل وانهيار العملات وارتفاع معدلات التضخم في كل أنحاء الهلال الشيعي

وتعلق المجلة أن عدم الرضا عن النظام، قاد الكثيرين لفقدان الثقة، ليس برجال الدين فقط، ولكن بالدّين نفسه. فهناك الكثير من النساء الراغبات بالتخلي عن الزي الديني والحجاب الذي وصفه المرشد الروحي آية الله الخميني بـ”راية” الجمهورية الإسلامية.

وشهد العراق احتجاجات ضد رجال الدين الذين دعموا النظام السياسي، وكُتب على يافطة في بغداد: “باسم الدين سرقنا اللصوص”. ولم يعد رجال الدين الذين يلقون خطبهم في مساجد الطبقة المتوسطة ببغداد، يجذبون المصلين. وكشفت دراسة أن الكثير من شيعة العراق يحترمون المرجعيات لكنهم لا يتبعون أوامرهم بدون مناقشة، خاصة في الالتزام الشخصي.

ويبلغ آية الله خامنئي من العمر 83 عاما، ولا أحد يعرف عن خطط خلافته، وأي من الشخصيات الموجودة، لا تستطيع إعادة مجد الجمهورية. فالرئيس الإيراني المعمم، إبراهيم رئيسي غير مقبول من رجال الدين الذين سخروا من قلة مؤهلاته الدينية. أما نجل خامنئي مجتبى، فلديه المؤهلات من قم، إلا أن تعيينه سيكون صفعة للحكم الوراثي الذي ألغته الثورة.

وتظل الخيارات محدودة؛ لأن خامنئي أسكت الرئيس السابق محمد خاتمي الذي دعا إلى تحول جذري في النظام. كما لاحق علي أكبر هاشمي رفسنجاني الرئيس السابق حتى وفاته. وتم وضع مير حسين موسوي، المرشح الرئاسي السابق تحت الإقامة الجبرية، والذي دعا قبل فترة إلى استفتاء حول الجمهورية، وإن كان يجب أن تظل إسلامية أم لا.

وهناك من يتكهن بقيام قائد الحرس الثوري حسين سلامي بالسيطرة على الحكم، إذا لم يستطع رجال الدين الحفاظ على الدولة. وربما عرض على الإيرانيين “عقدا اجتماعيا” جديدا، بحسب محلل سياسي في طهران.

ويهيمن الحرس على الجيش والمخابرات وقوى الأمن، ويشكل نسبة 40% من اقتصاد البلاد. ومن هنا، فانقلاب ليس مستبعدا. ولو حدث هذا السيناريو بالفعل، فقد يهمش الحرس رجال الدين ويحاول التواصل مع الغرب. وربما يفتح المجال أمام رجال الأعمال وحتى أبناء الشتات الذين ظلوا على صدام مع المؤسسة الدينية.

وربما يخفف الحرس الدعم لحلفاء إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ويبني على الاتفاق الأخير مع السعودية.

وفي العراق، يواجه رجال الدين أزمة خلافة، فالمرجعيات فيه لا تسيطر على الحكم، ولكنها تفضل دفع النظام السياسي من الخلف، باستثناء مقتدى الصدر الذي قرر القيادة من الأمام. ولكن الساسة طالما بحثوا عن نصيحة من المرجع آية الله علي السيستاني (92 عاما) خاصة بعد ظهور تنظيم الدولة عام 2013، لكنه انزوى في الفترة الأخيرة بدون خليفة له.

في كل المنطقة العربية، لم يعد وصف الملك عبد الله الثاني للهلال الشيعي، يثير الخوف.

وقال معلق شيعي: “زمن المرجعية انتهى”. وربما كان لدى مقتدى الصدر طموح لخلافة السيستاني، إلا أن عددا من القوى في العراق تقف ضده.

ومنذ مقتل سليماني عام 2020، وجدت طهران صعوبة في السيطرة على الجماعات الوكيلة لها في الدول العربية. وقال معلق لبناني: “يتساءلون، لماذا يجب أن نظل عملاء لإيران؟”، وذلك في معرض السؤال عن سبب موافقة حزب الله على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع إسرائيل.

أما بشار الأسد، فيقوم بخططه الأخرى، حيث رحبت به عواصم في الخليج. ويظل العراق وإيران بلدين قويين للشيعة، لكنهما في حالة يرثى لها، وبدءآ وحلفاءهما في المنطقة بالبحث عن رهانات للتحوط.

وفي كل المنطقة، لم يعد وصف الملك عبد الله الثاني للهلال الشيعي، يثير الخوف.