الرئيسية / مقالات / إنقلاب عيد العمال: يا أهل الطوائف اتحدوا؟

إنقلاب عيد العمال: يا أهل الطوائف اتحدوا؟

 

ابراهيم حيدر
30052017
النهار

أن نتذكر عيد العمال في لبنان، فتلك وقفة مجيدة. وأن نستعيد الذكرى كل سنة، فذلك يعيدنا إلى الواقع والماساة اللذين يقبع اللبنانيون تحت ظلامتهما. نتذكر منذ سنوات طويلة أن لا عيد للعمال في   لبنان، طالما كل محطات هذا العيد كانت تتحول لمصالح الطوائف وحساباتها. نتذكر مثلاً كيف تحول إضراب الحقوق في 7 ايار 2008 الى خراب ومواجهات مسلحة في بيروت وكل البلد. وننبش أيضاً من الذاكرة كيف أن اللبنانيين يرحلون الى بلاد الله البعيدة بحثاً عن عمل واستقرار، وكيف ينخرط الطلاب في مشاريع خارج وطنهم. لكن نتذكر أيضاً أن هناك في البلد اتحادات ونقابات وهمية تصادر تمثيل العمال وحقوقهم، وبعضهم من الرؤوس المتربعين على عروشهم وأبراج العاجية ينظّرون للحقوق وللعمل، وينخرطون في كل لحظة في الاصطفافات الطائفية، ويشاركون في استنفار العصبيات ضد العمال أنفسهم.

اختلاف الجمهور وانقلاب المعايير

اختلف جمهور العمال والمنتجين في لبنان، فبات يسمى تكتل جمهور الطوائف الذي يصطف في الأزمات وعند المنعطفات التي تتطلب، وفقاً لهذا المذهب أو ذاك، استنفاراً للدفاع عن الحقوق بعناوين مختلفة، ووفق المصالح للأطراف السياسية التي تقرر عن الطائفة أو المذهب، وذلك بعيداً من أي مطلب اجتماعي أو انشداد الى قضاياه المعيشية عبر مخاطبة الدولة. ولذا ليست النقابات التي تحشد قواعدها اليوم، إنما القوى السياسية هي التي تستنفر جمهورها وترفع منسوب عصبياته عند الحاجة. وعندما تتقارب المواقف، تهدأ الساحات، ويسود استقرار بارد، لكن سرعان ما تعود الاصطفافات عند حدوث توتر أو مواجهة يستدعيان حشد كل الامكانات وكل الموروث التاريخي بين المذاهب. ولا يكتفي جمهور الطائفة أو المذهب بالاستنفار عند المنعطفات السياسية والأمنية والتوترات والمواجهات، فقد صارت له معاييره وقياداته في المناطق والأحياء التي يوجد فيها، أي في المناطق ذات الغالبية من مذهب معين. وتصبح الممارسات تستند الى ضوابط معينة لا مكان فيها للرأي الآخر، وأحياناً للمذهب الآخر.

انقلبت المعايير مقارنة بمراحل ذهبية كانت النقابات العمالية خلالها في موقع الفعل. فكيف يرتفع عدد الاتحادات النقابية العمالية المنتسبة الى الاتحاد العمالي العام الى أكثر من 50، فيما تتراجع فاعليته، ليتبين أن قسماً كبيراً من الاتحادات ملحق سياسياً وطائفياً، علماً انه منذ بداية التسعينات وحتى الأمس القريب رخص لعشرات النقابات التي لا يتعدى تمثيلها من العمال أصابع اليد الواحدة، وهي بالفعل نقابات وهمية رغم أنها تمارس الانتخاب في اتحاداتها وفي الاتحاد العمالي العام. ويتبين من خلال دراسات أخيرة، أن الاتحادات العمالية النقابية لا تعمل على زيادة أعضائها، طالما أن لا موقف لها مما يحصل من انهيارات في المؤسسات في البلد بسبب الأزمتين السياسية والاقتصادية وتشريد ألوف العاملين، علماً أن عدد الوافدين الجدد الى سوق العمل اللبناني من المتخرجين الجامعيين، يبلغ 40 ألفاً سنويا، يختار قسم كبير منهم الهجرة بحثاً عن العمل والاستقرار.

يقدم الحراك النقابي والعمالي، في العقد الأخير، صورة مختلفة تعبر عن حالة الانهيار التي فتكت به. وقد طالب كثيرون بتأسيس اتحاد عمالي آخر، لكن المشكلة السياسية في البلد لا تسمح بأي إمكان لإعادة تنظيم الواقع النقابي العمالي. لذا تقدمت العمالة اللانظامية 56% من مجموع القوى العاملة الفعلية، وفق دراسة أعدت عام 2014، ونشرها المرصد النقابي العمالي، فيما 39% من العاملين بأجر يعملون بشكل لا نظامي. أما معدلات البطالة وفق تقديرات مؤسسات دولية فتصل إلى نحو 25%. في حين أنه لا يمكن اليوم إجراء إحصاء دقيق عن نسب البطالة والعاملين بسبب التغيرات التي أحدثها اللجوء السوري وانضمام قسم كبير من السوريين ومن جنسيات أخرى الى سوق العمل اللبناني.

وتطال البطالة بشكل أساسي الشباب وأصحاب المستوى التعليمي العالي، وفترة البطالة تمتد من سنة إلى سنتين في المتوسط وهي فترة طويلة. وأشارت ورقة بحثية قدمها الباحث الدكتور نجيب عيسى إلى التشغيل الناقص الذي يشكل 20% من القوى العاملة الفعلية، في حين أن عدد المهاجرين زاد عن 1.3 مليون حتى عام 2014.

البطالة والعمالة اللانظامية

وتشير الورقة إلى أن مؤسسات نظامية تتعاقد مع مؤسسات غير نظامية لتأمين خدمات أو سلع أساسية في عملية الانتاج. وهي تستخدم عمالاً لانظاميين بدفع من السياسات التي فرضت مرونة في التشغيل وطبيعة العلاقة التعاقدية ما بين العمال واصحاب العمل. وهناك مؤسسات لانظامية تستخدم عمالاً لانظاميين بأجرة يومية أو شهرية، أو يتم الدفع بالقطعة أي بحسب الانتاج. وتعود أسباب إرتفاع معدلات العمالة غير النظامية إلى السياسات الاقتصادية بعد الحرب المرتكزة على زيادة الإستثمار في القطاع العام، ودعم القطاع العقاري، وتشجيع المؤسسات الصغيرة الحجم التي باتت تشكل 90% من المؤسسات التي تشغل بين 1 و 5 مستخدمين.

وتظهر أسباب الأزمة أن النظام الطائفي هو المسؤول الأول، حيث أن التوظيف في القطاع العام يحتاج إلى الوساطة وهي طائفية، وبعض القطاع الخاص أيضاً لا يختلف عن القطاع العام لهذه الناحية. وبأن الفساد له دور في تعزيز أزمة التشغيل. لذا يستمر خوف اللبنانيين وقلقهم من المستقبل، ويفكرون في الهجرة، لاسيما المتخرجون الجامعيون. والواقع أن اللبنانيين باتوا مقتنعين بأن البلد لن يخرج من أزمته، في ضوء استمرار الصراع بين طوائفه ومكوناته السياسية، ولدى الطبقة السياسية الحاكمة. فالتسويات بين أقطاب هذه الطبقة وطوائفها تولد الأزمات تلو الأزمات، وإن كان لبنان قد استعاد بعض استقراره بفعل التسوية السياسية التي أنتجت رئيساً للجمهورية وحكومة. وعلى رغم أن اللبنانيين يدقون أبواب الهجرة بحثاً عن عمل، خوفاً من مناخات الحرب والتجييش، إلا أن أبواباً كثيرة سدت في وجوههم منذ الحرب السورية 2011، وانخراط أطراف لبنانية فيها، فيما كل الكلام عن النهوض والاستقرار لا يقنعهم بأن بلادهم ستتخلص من الدين العام وستؤمن فرص العمل والحياة الكريمة، طالما أن الطبقة السياسية تبحث عن مصالحها بقانون انتخاب لم ير النور الى اليوم أو بالتحريض أو بالاصطفاف.

في عيد العمال سنستمع إلى الكلمات ذاتها، لكن الواقع مأسوي إلى أبعد الحدود. فالنقابات لم تعد تمثل جمهورها ولا تنطق بمطالبهم. ولم تعد التقديمات التي تؤمنها قوى طائفية لجمهورها، كانت حلت مكان الدولة في التقديمات قادرة على تأمين كل المقومات التي تؤدي إلى صمود الناس، لا سيما في الأطراف. فلقمة العيش والجوع والخوف من حروب متجددة يدفع بهؤلاء إلى التفكير بالهجرة أو بمشاريع انتحارية، غير عابئين بالتضحيات التي قدموها خلال صمودهم في الفترة السابقة وفي ظل أعقد الأزمات.

اضف رد