الرئيسية / مقالات / “إنسَ جورة… إنسَ بلد”!

“إنسَ جورة… إنسَ بلد”!


راجح الخوري
النهار
21042018

تعالوا نخرج قليلاً من السياسة والانتخابات والخزعبلات التي تسيطر على حياتنا المتعوسة في هذا البلد السعيد، لنتحدث تحديداً عن أزمة مزمنة تكبدنا خسارة سنوية قيمتها مليارا دولار كلفة تعطيل الإنتاج العام بسبب إختناق السير، فالمسافة من جونية الى بيروت مثلاً التي لا تزيد عن عشرة كيلومترات، تتطلب أحياناً ساعتين ويستتبع ذلك نوبات عصبية وأدوية ضرورية يدفعها غسان حاصباني!

قرأت أمس تقريراً من”بلومبرغ” عن ابتكار الصين تكنولوجيا جديدة، تحدث ثورة في عالم النقل، وتحمي أيضاً الكرة الارضية من التلوّث، وتوفّر مبالغ هائلة على موازنة الدولة بعد الاستغناء كلياً عن النفط والإعتماد كلياً على الشمس!

انها “الطرق الذكية” التي تشحن السيارات الكهربائية، وهي المستقبل، ذاتياً بمجرد سيرها على الطرق التي تستمد الطاقة من الشمس وتنقلها الى السيارة عبر أدوات استشعار في الطريق المعبد بمادة من الألواح الشمسية، وبأدوات إلتقاط للطاقة أسفل السيارة!

لا يتوقف الأمر هنا، فالطرق الذكية أيضاً تنير نفسها ليلاً من طاقتها المخزنة، وما يفيض عنها يكفي لإنارة المنازل المجاورة. لا أتحدث عن شيء خيالي، فقد ذكرت “بلومبرغ” أنه تم بناء طريق ذكي يبلغ طوله ١٠٨ كيلومترات في مدينة جنان شرق الصين وبدأ السير عليه فعلاً، وهو مزوّد الواحاً شمسية تلغي الحاجة الى الوقود!

مدير الشركة التي طوّرت الشارع الذكي هو زو يونغ وقال إن الطرق السريعة التي نستخدمها حالياً هي الجيل الأول، ونحن نعمل تبعاً لذلك حالياً على إنتاج الجيل الثاني والجيل الثالث عبر زرع عقول ألكترونية وأنظمة عصبية في هذه الطرق توفر الخرائط للسيارات والكثير من الخدمات الأخرى، مستمدة كلها من أسفل الشارع الى أسفل السيارة التي لن تضطر الى الوقوف دقيقة واحدة!

أقول إستفيقوا من الحلم المذهل، وتعالوا نعود الى لبنان، وطن الأرز وبلد النور والنار والتبولة والبابا غنوج، وتلك اللافتات “الذكية” التي رفعت عند مداخل بيروت، لتنويرنا:

حزام الأمان يحميك، لا تستعمل الهاتف وأنت تقود، يمكنهم إضافة لا تسرع يا بابا نحنا ناطرينك، وراجعة بأذن الله، والله مع دواليبك، وفي التأني السلامة وفي العجلة الندامة، لكن الطريق البحرية مزدحمة ومن ضبية الى الدورة خانقة، خذوا نفساً وكِفوا عن الشتائم!

الطرق؟ ليس من الضروري وجود طرق، اللافتات الذكية تكفينا، والكاميرات الخفية تترصدنا، وتبلغنا الدولة الساهرة علينا يومياً ما هو عدد المخالفات التي سجلتها الكاميرات، والى الأمس القريب كانت المخالفات تذهب الى القضاء من دون علمنا [يا غافل إلك الله] والقضاء يصدر الحكم من غير ان تعرف، ويتم توقيفك في المطار وعلى الحدود وقد تنام في بيت خالتك… والدولة الذكية معتمدة على بيت المرّ و”أنسَ جورة” … لا يا سيدي “إنسَ بلد”!

rajeh.khoury@annahar.com.lb

اضف رد