خضر حسان|
المدن
السبت13/05/2017
لم تنتهِ الصراعات في الدول العربية بشكل كامل، بل مازالت تتفاعل بأشكال مختلفة. لكن ما يوحدها هو اتجاه الإقتصاديين إلى الإستثمار في إعادة الإعمار. وتشكّل المصارف أحد أبرز القطاعات التي تنظر بعين الإهتمام إلى مرحلة ما بعد الصراع. لكن للمصارف جملة من المخاوف والشروط تسبق عملية إستثمارها في تمويل إعادة الإعمار. وتزداد المخاطر بالنسبة إلى المصارف مع عدم وضوح المعطيات في شأن حجم الأضرار وكلفة إعادة الإعمار في الدول العربية. وكل ما يتوفر حتى الآن هو دراسات غير مؤكدة، تقدمها مصادر محلية ودولية.
ما يصعّب المهمة أمام المصارف، والجهات المهتمة في الإستثمار في إعادة الإعمار، هو الحجم الهائل للكلفة، وإن كانت لاتزال نظرية حتى الآن. فكلفة إعمار البنى التحتية في الدول العربية التي دمرتها الحروب، وفق ما تبينه دراسات الإسكوا، تبلغ “نحو تريليون دولار”، فيما الخسائر الصافية في النشاط الإقتصادي، تفوق “600 مليار دولار، أي 6% من الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة العربية”، بحسب رئيس الإتحاد الدولي للمصرفيين العرب، جوزيف طربيه، خلال إفتتاح موتمر تمويل إعادة الإعمار.. ما بعد التحولات العربية، الجمعة 12 أيار. وأشار طربيه إلى أن العجز في الماليات العامة للدول العربية التي تشهد صراعات، بلغ بين عامي 2011 و2015، “نحو 250 مليار دولار”.
هذه الأرقام، رغم عدم نهائيتها، إلا أنها تؤشر إلى مدى صعوبة الحديث الفعلي عن إعادة الإعمار، خصوصاً وسط عدم وجود توافق سياسي عربي حيال الأزمات التي تشهدها البلاد. وبفعل غياب الإنسجام السياسي، فإن التجاذبات ستستمر في علاقة عكسية مع ما تتطلبه عملية إعادة الإعمار. بالتالي، مع ما تنشده المصارف والمؤسسات التي تريد الإستثمار في إعادة الإعمار.
عدم التقارب السياسي بين الأنظمة العربية في توصيف ما يجري من صراعات، وفي إدارة تلك الصراعات، يضع الدول العربية مجتمعة أمام معضلة دراسة كيفية تمويل إعادة الإعمار. وبالنسبة إلى رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف العربية، محمد الجراح الصباح، فإن إعداد دراسة حول كيفية التمويل، هو أمر ضروري لتحديد “المبالغ المطلوبة ومصادر تأمينها وتكلفتها وشروط الحصول عليها”. ويتطلع الصباح في هذا الصدد إلى المصارف العربية كوجهة أولى للتمويل، إذ يلعب القطاع المصرفي برأيه دوراً في “التخفيف من العبء الضخم، بالإستناد الى إمكاناته الكبيرة، ومدى مساهمته بشكل خاص في تمويل القطاعات الإنتاجية التي دمرتها الحروب، كالصناعة والزراعة والطاقة، والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، إلى جانب المساكن والبنى التحتية”. وهذا الدور، يندرج ضمن مشروع يخلق فرصاً إستثمارية “تقدر بعشرات المليارات من الدولارات”، وفق الصباح الذي يعلق آمالاً كبيرة على دور القطاع المصرفي العربي، بالنظر إلى حجم موجوداته “التي بلغت 3.4 تريليون دولار في نهاية العام 2016. وتشكل، بالتالي، نحو 140% من حجم الناتج المحلي الإجمالي العربي”. وإلى جانب الموجودات، بلغت الودائع المجمعة “نحو 2.2 تريليون دولار”، وحجم الائتمان الذي ضخه القطاع، حتى نهاية العام 2016 “بلغ نحو 1.9 تريليون دولار، أي 77% من حجم الناتج المحلي الإجمالي العربي”.
إنطلاقاً ممّا تملكه وتحققه المصارف العربية، ودون الدخول في نقاش بشأن الخلافات السياسية وما ستطلبه المصارف من شروط لضمان تحقيق أرباحها بفعل إستثمارها في إعادة الإعمار، يرى رئيس الحكومة سعد الحريري أن التجربة اللبنانية في إعادة الإعمار، بالإعتماد على القطاع المصرفي، يمكن وصفها بأنها تجربة قائمة على “تحويل الأزمة إلى فرصة، وتحويل المصيبة إلى أمل”. إلا أن الحريري لم يستعرض نتائج هذه “الفرصة” وذاك “الأمل” على صعيد القطاعات الإنتاجية وفرص العمل للفئة الأكبر من الشعب اللبناني، والتي تضررت من تلك السياسات التي ربطت تمويل إعادة الإعمار بعد الحرب، وتمويل الإستثمارات والنفقات، بالمصارف، دون تحديد أي سياسات تحمي الدولة من الجانب الربحي المحض للمصارف.
عليه، شجع الحريري في كلمته خلال المؤتمر، على الإعتماد على المصارف العربية، إنطلاقاً من التجربة اللبنانية، مؤكداً ما سماه ضرورة “الانفتاح والتعاون بين القطاعات المصرفية العربية والمصارف العربية من كل الدول. والإنخراط في التوجه العالمي نحو تفعيل الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وخصوصاً في عملية تطوير البنى التحتية، بصفتها الركيزة الأولى لأي نمو اقتصادي”.