
- سابين عويس
- 27 نيسان 2020 | 00:01
النهار

ماذا يُحضر لمصرف لبنان في كواليس الحكم، حتى خرج رئيس الحكومة حسان دياب، ليتلوٓ بياناً مكتوباً شن فيه اعنف هجوم على رآس السلطة النقدية، متناسياً ان هذا الرأس، ورغم الاستقلالية التي تتمتع بها مؤسسته، يبقى خاضعاً لقرار السلطة السياسية ومنفذاً له؟.
على قاعدة “من يملك المال، يملك القرار”، وفي سياق استكمال الاطباق على مواقع السلطة والنفوذ، يصب الاستهداف المباشر لحاكم المصرف المركزي، من دون الأخذ في الاعتبار ما يرتبه من مخاطر لم تدخل في حسابات المستهدِفين، حيث بدا واضحاً من الحملة المركزة التي بدأت منذ اشهر، ان لا فصل بين الحاكم والسياسات التي انتهجها والتي تشكو منها السلطة اليوم، وبين المصرف المركزي كمؤسسة مستقلة تعنى بتنظيم النقد والقطاع المالي والمصرفي، ومن المهم والملح تحصينها وحمايتها.
بعد ان قال رئيس الحكومة كلمته، بعد جلسة شكلت اقالة الحاكم الطبق الرئيسي على طاولتها، تتجه الأنظار الى الحاكم، وما سيصدر عنه من ردود على الاتهامات الموجهة اليه، ولا سيما على صعيد كلفة الهندسات المالية، او امتناعه عن التدخل في السوق اخيرا للدفاع عن الليرة، او تعميمه الرامي الى سحب الدولارات المحولة من الخارج عبر شركات التحويل، وضخها في خزينته الفارغة.
ومن الرد المرتقب للحاكم والسقف الذي سيعتمده، يمكن تبيان ما ستؤول اليه هذه الحملة وما اذا كانت ستتوقف على الرسائل الشديدة اللهجة التي تلقاها ليس فقط من رئيس الحكومة، وانما ايضا من رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، فينجح الضغط في تغيير مقاربته، او ان الامور ذاهبة الى مزيد من التصعيد تمهيدا لوضع يد نهائية على الملف المالي والنقدي والمصرفي.
بحسب مصادر سياسية متابعة، ان التصعيد لن يتوقف، وان الحملة على سلامة ترمي الى اقالته. واذا كان وزير المال غازي وزني نجح في الجلسة الاخيرة لمجلس الوزراء في فرملة هذا التوجه، محذراً من مخاطره، فإن الخطوات الحكومية المقبلة ستعززه.
فبحسب المعلومات المتوافرة، يتجه مجلس الوزراء الى انجاز التعيينات المالية في المصرف المركزي، وهذا يسهل الانتقال السلس الى سيناريو إطاحة سلامة او على الاقل تقييد حركته. فالتعيينات ستؤدي الى ملء الشغور في المجلس المركزي ولجنة الرقابة على المصارف. وستكون الحكومة امام الاتفاق على الاسم المرشح للحلول محل سلامة. فإذا حصل الامر، وهو مستبعد في ظل الفيتوات الموضوعة على بعض الاسماء المرشحة، تلجأ الحكومة الى فتوى قانونية سبق ان أعدها الوزير السابق سليم جريصاتي بالاستناد الى المادة ١٩ من قانون النقد والتسليف، والتي تجيز اقالة الحاكم اذا تبين إخلالها بمهامه. وهنا تأتي مهمة شركتي التدقيق اللتين كلفهما مجلس الوزراء التدقيق في حسابات وميزانيات المصرف المركزي.
لكن هذا الامر سيستغرق بضعة اشهر رغم ان شركة ” كرول” المكلفة التدقيق المحاسبي ستبدأ عملها فوراً، ولا سيما في مجال التدقيق في الأموال المحولة الى الخارج، لكي تتوافر لدى الحكومة الدلائل الحسية على التلاعب بالميزانيات اذا وُجد.
لكن ما تتخوف منه المصادر يكمن في الذهاب الى السيناريو الأسوأ، وهو اقالة سلامة من دون تعيين حاكم بديل، بحيث يتولى النائب الاول للحاكم المسؤولية، فيؤول الموقع بحكم الامر الواقع الى الطائفة الشيعية. وقد يكون هذا السيناريو هو ما دفع البطريرك الماروني الى رفع الصوت، سائلاً عن المستفيد من زعزعة الحاكمية، رافضا استهداف الكرامة الشخصية للحاكم.
ولا تخفي المصادر قلقها من ان يكون وضع اليد على المركزي مقدمة لوضع اليد على مالية الدولة والحساب رقم ٣٦ وعلى المصارف، تمهيداً للتحكم بالاعتمادات المتعلقة بالأسلاك العسكرية ولا سيما منها الجيش.
وترى المصادر ان سلامة ربح ربما الجولة الاولى من المعركة، في ظل دعم رئيس المجلس نبيه بري لعدم اقالته، وتحرك بكركي، ولكن الأهم يكمن في الاجراءات التي عمد الى اتخاذها وأدت الى تجفيف الدولار من السوق، وما يخلقه من ارباك لدى السلطة في ظل تردد معلومات عن سحب الدولارات من السوق وإرسالها
الى سوريا وايران(؟)، فضلاً عن ترك الليرة لمصيرها، مع ما يرتبه هكذا قرار من مفاعيل تضخمية مخيفة، علما ان خطة الحكومة واضحة وتهدف الى تحرير سعر الصرف عبر اعتماد سعر مرن للعملة.
ولكن ماذا عن الجولة الثانية؟ هل يذهب سلامة ابعد في كشف ما في جعبته، او يخضع لضغط السلطة، فيعيد الانتظام الى سوق النقد؟
أياً يكن الجواب، بات أكيدا ان الوضع بعد كلام رئيس الحكومة لن يكون كما قبله، وان العلاقة بين السلطة السياسية بكل وجوهها، وبين الحاكم لن تكون طبيعية، وستتسم بانعدام الثقة، ما يعني ان مسار ازاحة سلامة قد بدأ جدياً ولن يتوقف، وسيسير بالتوازي مع الاجراءات الحكومية التي ستساعد السلطة على المضي في هذا القرار. وقد بدأت تتبلور، ان من خلال تعيين شركات التدقيق التي بدأت احداها عملها في انتظار بت اي من الشركتين الاخريين سيتم تكليفها. التعيينات المالية وضعت مجدداً على نار حامية، وستقر قريباً، علما ان وزير المال يصر على تطبيق قانون النقد والتسليف في آلية التعيين، ولا سيما في ما يتعلق بمفوض الحكومة لدى المركزي الذي يعود الى وزير المال حصرا تعيينه ( بعدما ورد اقتراح بترشيح سماه التيار الوطني الحر).
في المقابل، ثمة من يرى ان ترك سلامة الدولار يستعر في السوق، سيؤدي حكماً الى احراج الحكومة وإخضاعها تحت ضغط الشارع. والسؤال من يسبق من في الإطاحة، سلامة او الحكومة؟
sabine.oueiss@annahar.com.lb