
- عبد الوهاب بدرخان
- 9 أيلول 2020 | 00:00
- النهار

لبنان الذي تريد فرنسا منع انهياره والحفاظ على الدولة فيه، ليس لبنان الذي تعمل إيران و”حزبها” لاستكمال استيلائهما عليه. دعوة ايمانويل ماكرون “حزب الله” لـ”العودة الى لبنان” سبقتها دعوات كثيرة مماثلة من الداخل، ولمرونته حيال “الحزب” هدف واضح هو انقاذ البلد. أما “الحزب”، بصفته الحاكم، فلا يمانع الإنقاذ الاقتصادي بل يراه في مصلحته طالما أنه لا يعرقل سياساته التي استغلّ فيها التناقضات اللبنانية ولعب عليها بالتحالفات حيناً وبالاغتيالات أحياناً. قد يعتقد الرئيس الفرنسي ضمناً أن ورشة اصلاح الاقتصاد والخدمات تستدرج تلقائياً ورشة اصلاح سياسي لم يتطرّق إليها. ربما كان هذا المنطق ينطبق على مؤتمرات باريس السابقة، وآخرها وأهمها مشروع “سيدر”، لكنه سقط ولم يعد صالحاً. ينبغي التذكير بأن نظام الوصاية السورية أطاح تلك المبادرات الفرنسية تباعاً، وبأن “نظام حزب الله” أحبط مشروع “سيدر” الذي جاء في لحظة بالغة الدقّة، عشية الأزمة المالية.
تعلّم “الحزب” من النظام السوري، ومن المواجهة الإيرانية مع الغرب، ضرورة منع المجتمع الدولي من دخول لبنان من باب الاقتصاد لأنه سيطرق لاحقاً باب السياسة. فالاستحقاق الأول يقود حتماً الى الآخر، لأنهما مترابطان، فمن يُشرف على ادارة الاقتصاد سيطلب تلقائياً اصلاح سياسات لا تناسبه. وهذا الإصلاح عنى للنظام السوري سابقاً، كما يعني لـ”نظام حزب الله” اليوم، أنهما لا يستطيعان إجازة مشاركة خارجية لهما في التحكّم بالشأن اللبناني. كان يمكن دمشق قبول أيّ مشاركة إذا مرّت عبرها وإذا تحصّلت على مكاسب مسبقة ومباشرة تعزّز نفوذها (كان معترفاً به دولياً) في لبنان، أما التعامل الدولي مع لبنان كدولة مستقلّة وذات سيادة فاعتبرته دمشق اختراقاً لذلك النفوذ.
لا شك في أن خطورة الأزمة المالية، التي ضاعفتها كارثة انفجار المرفأ، اضطرّت “حزب الله” الى التعامل بإيجابية مع مبادرة ماكرون، خصوصاً أن “الاعتراف” الفرنسي به تجاهل سجله الاجرامي في لبنان وسوريا وغيرهما. لكن هذه الإيجابية لن تصمد طويلاً، فـ”الحزب” يستثمرها مرحلياً للحصول على “اعتراف” أوسع من مجرد كونه “طرفاً” مدعواً الى طاولة القوى السياسية. لن ينتظر “الحزب” انعكاس أي تعافٍ اقتصادي – إذا حصل – سلباً على هيمنته السياسية، بل يتطلّع الى أن تعتبره باريس شريكها الأساسي في “الإنقاذ”، وأن تلتزم مكافأته بموقع رئيسي في “صيغة” لبنانية جديدة.
بمعزل عن الحقائق والأوهام في المبادرة الفرنسية وطموحات “حزب الله” وقدرات الحكومة العتيدة، لا يمكن انجاز “الإصلاحات المطلوبة” وتنفيذها من دون أن تتأثّر مصالح “الحزب”، فعدم التطرّق الآن الى ملف سلاحه لا يمنع فتح ملف سيطرته بالقوة على المعابر والمنافذ والمرافق. الإصلاحات معبر ضروري للمساعدات الدولية الفاعلة اقتصادياً، فهل يمكن تصوّر اصلاح حقيقي في دولة نخرها الفساد ويشكّل “الحزب” فيها حال الفساد الأعظم لأن دويلته تعيش على مواردها وعلى موارد الدولة في آن؟