سركيس نعوم
النهار
15092018
في لبنان الذي لن يشمله التقليص الملحوظ لدور إيران في سوريا، بحسب المُتابع الأميركي المُزمن نفسه، فإنّها وحليفها “حزب الله” يخطّطان لتعطيل دور الرئيس المُكلّف وأي رئيس حكومة آخر يأتي بعده. لكنّهما يعرفان أنّهما سيتعرّضان للعقاب إذا حاولا الإستيلاء على الحكومة والسلطة. وما عليهما أن يفعلاه هو ترك “الوضع اللبناني المسدود” على حاله، وانتظار رؤية ما سيحصل في سوريا وفي الانتخابات النصفيّة الأميركيّة.
في اختصار يقول المُتابع نفسه إنه، وبعد مراجعته مُعطياته ومعلوماته وتحديثها، لا يزال على اعتقاده أن تدهوراً عسكريّاً كبيراً في المنطقة لن يحصل. باستثناء إدلب مدينة ومحافظة وجواراً. لكن التحرّكات العسكريّة لروسيا بوتين تُحيّره، ولذلك فإنّه سيقسم تقويمه إلى اثنين. واحد يُتابع التحرّكات الأخيرة لبوتين، وآخر يتضمّن توقّعاً لما يمكن أن يجري في المنطقة. فهو، وقبل تصريحاته الأخيرة في طهران التي أكّد فيها دعمه التامّ لخطّة الرئيس الأسد الهادفة إلى تحرير إدلب، اتّخذ سلسلة خطوات لمنع أو إحباط أي تحرّكات عسكريّة قد تُنفّذها أميركا و”حلف شمال الأطلسي” من شأنها عرقلة “التحرير” أو إلغاؤه. ومنها كشفه أن قوّاته المسلّحة ستُجري مناورات عسكريّة ضخمة في الجزء الغربي من بلاده روسيا. ومنها أيضاً حشد أسطول حربي بحري كبير في شرق المتوسّط قريباً من الشاطئ السوري. ومنها ثالثاً إعلانه أن اغتيال القائد الانفصالي في شرق أوكرانيا أخيراً كان استفزازاً وتحدّياً. ومنها رابعاً تحذيره إدارة ترامب أن قوّاته العسكريّة المتنوّعة ستعمل في مناطق في سوريا توجد فيها قوّات أميركيّة. ويبدو واضحاً من ذلك، في رأي المُتابع نفسه، أن هذه التحرّكات ترمي إلى منع تحرّكات عسكريّة مضادّة تقوم بها أميركا أو حلفاؤها. وجوابها حتّى الآن كان أوّلاً إعلان تخطيطها للبقاء في سوريا مدّة غير مُحدّدة. وهذا تغيير في سياستها إذ كان موقفها الرسمي المُعلن سابقاً هو اعتزام مغادرة المواقع الموجودة فيها عسكريّاً. وكان ثانياً أن أميركا ستردّ عسكريّاً عند استعمال النظام السوري السلاح الكيماوي في هجومه المُحتمل على إدلب لتحريرها. ويبدو أنه (أي المُتابع) مُقتنع بأن تحرّكات بوتين نوع من الإنذار. لكن ما يُقلقه هو حصول حادث غير مقصود نظراً إلى أن القوّات الروسيّة تعمل بالقرب من المواقع الأميركيّة. وتُقلقه أيضاً تصرّفات “الديكتاتور” السوري وأعماله وردود فعله باعتبار أن أحداً لا يستطيع أن يكبح تصرّفاته المتهوّرة. فهل يستطيع جنرالات بوتين إقناعه بالتروّي؟ ولكن ما لا يُقلق أميركا هو اقتناعها أن بوتين لن يُقدم على تحرّكات متهوّرة باعتبار أن الدولتين لم تضعا قوّاتهما في حال “إنذار” أو تأهّب حتّى الآن على الأقل.
ماذا عن القسم الثاني من التقويم التوقّعي للمُتابع الأميركي نفسه المتعلّق بما يمكن أن تشهده المنطقة؟
إيرانيّاً قرّرت القيادة في طهران عدم دفع الأمور إلى الآخر ولم تُظهر خطّة لإعادة بناء قواعدها ومستودعاتها العسكريّة في سوريا. وقرّرت أيضاً الانضمام إلى معركة إدلب لدعم الأسد من جهة ولأنّها قلقة من “انبعاث” “داعش” في العراق من جهة أخرى. وقرّرت ثالثاً أن تمشي مع الاستراتيجيا الروسيّة في الشرق الأوسط طوال الولاية الرئاسيّة لترامب. ويعود ذلك إلى الاضطراب الداخلي فيها وإلى القلق من الذي يمكن أن يُقدم عليه الأخير وخصوصاً في مجال فرض عقوبات جديدة على بلادها في تشرين الثاني المقبل. ولذا فقد قرّرت الامتناع عن التحدّي والاستفزاز.
واسرائيليّاً لا يبدو رئيس الحكومة نتنياهو وقيادات أخرى مُقتنعين بأن الإيرانيّين لا يُخطّطون لإعادة بناء قواعدهم ومستودعاتهم التي دُمّرت في سوريا، وبأنّهم تخلّوا عن استراتيجيّتهم القائمة على مبدأ قيام جبهتين ضد إسرائيل في لبنان وسوريا. ولهذا وجّهوا تحذيرات شديدة إلى الحكومة اللبنانيّة و”حزب الله”. ولا يبدو أيضاً أن القيادات الإسرائيليّة قلقة من “الحزب” لأن مقاتليه مشغولون جدّاً بالتحضير لمعركة إدلب، ولأنّهم سيمنون بخسائر فادحة في هذه المعركة. وإسرائيل سعيدة بتعاونها مع الروس وبالتطمينات (أو ربّما الضمانات) التي أعاد تأكيدها لها بوتين.
وتركيّاً لا يبدو “السلطان” أردوغان” سعيداً بقرار روسيا دعم الأسد وخططه العسكريّة وهو لا يزال يصرّ على حل مُتفاوض عليه، لكنّه يُفكّر في الوقت نفسه بتنفيذ عمل عسكري لـ”أهداف إنسانيّة”. وقوّاته قد تحتلّ قسماً من محافظة إدلب لمنع تدفّق اللاجئين السوريّين إلى أراضيها ولمنع عناصر “داعش” الفارّين من العودة إلى بلدانهم الأصليّة. وإذا فعل أردوغان ذلك فإنّ أميركا ستدعمه لأن من شأن ذلك حلّ بعض الاختلافات والإشكالات بين واشنطن وأنقرة. أمّا أميركيّاً فإن الإدارة لا تزال على إصرارها إبقاء قوّاتها في سوريا لمدّة غير مُحدّدة والتدخّل إذا استعملت قوّات الأسد “الكيماوي”. ولهذا البقاء سببان، الأوّل منع الإيرانيّين من إقامة جسر برّي بينهم وبين سوريا و”حزب الله”. والثاني إبقاء العين على مُقاتلي “داعش” لمعرفة وجهة تحرّكم في حال أُجبروا على مغادرة إدلب المدينة والمحافظة. ويبدو أن هناك بداية انبعاث لهذا التنظيم الإرهابي في العراق، وأميركا لا تريد عودة مقاتليه إلى هناك رغم معرفتها أن بعضهم سينجح في العودة. ولذلك فإن هدفها منع العودة الكثيفة.
في النهاية يقول المُـتابع الأميركي المُزمن نفسه أنه باستثناء معركة إدلب أو حربها، كما باستثناء تنفيذ تركيا خططها لاحتلال مناطق سوريّة مُحاذية للحدود معها، لا يرى تحرّكات عسكريّة في المنطقة من أي من دولها، لكنّ الحوادث قد تقع صدفة ولذلك لا يمكن الكلام عن نتائجها.
sarkis.naoum@annahar.com.lb