اخبار عاجلة
الرئيسية / home slide / “إحكي جالس” لرمزي علم الدين: إمتاع ومؤانسة وشيء من تاريخ لبنان

“إحكي جالس” لرمزي علم الدين: إمتاع ومؤانسة وشيء من تاريخ لبنان

27-06-2022 | 00:00 المصدر: “النهار”

سليمان بختي

“إحكي جالس” لرمزي علم الدين.

بين الإمتاع والمؤانسة وبأسلوب السهل الممتنع يروي #رمزي علم الدين مذكراته بعنوان “#إحكي جالس” (دار نلسن في 240 صفحة). فمنذ أن رأته جدته أم سعيد تقي الدين قالت: “حرام هذا الصبي طالع أعوج بسبب السمنة”. لكنه منذ ذلك الوقت قرر أن يحكي جالسا. يكتب كمن يروي لصديق حميم في جلسة دافئة، الحياة التي نعيشها لنرويها على ما يقول ماركيز. يحكي عن والده الشيخ خليل عنوان الطيبة وعمل الخير، ووالدته الست أدال الشقيقة الوزيرة لستة رجال كبار من آل تقي الدين سعيد وخليل وبهيج ومنير وبديع ونديم.

المؤلف الذي يحب بعقلين وطبيعتها الجميلة ويستمتع بطقطقة القاف الدرزية، هو إبن رأس بيروت بمدرستها وجامعتها، فهي “بيتي ومدرستي وجامعتي وملاعبي وأصدقائي ومقر عملي ومواعيدي وكل ذكرياتي”. يتذكر مدرسة “أي سي” وأجواءها وأساتذتها سليم باسيلا وشفيق جحا ورامز عقيقي وغيرهم، والجامعة الأميركية وأساتذتها سليم الحص وسعيد حمادة وبرهان دجاني. كل الأوقات الجميلة كانت ولعا بالرياضة والكشافة والموسيقى والمغامرة. ولكن ماذا بقي من كل ذلك؟ يقول: “لاحظت أنه كلما كبر الإنسان بالعمر صغرت الطابة”. أسس رمزي علم الدين شركة “كوميت” للسياحة والسفر مع انه كان موعودا بمركز في سفارة الجامعة العربية في الهند، لكنه قرر البقاء في لبنان وثابر ونجح وأصبح نقيبا لأصحاب مكاتب السفر والسياحة في لبنان، وأستاذا محاضرا في السياحة في جامعات لبنان ونائبا لرئيس إتحاد المنظمات السياحية العربية ونائبا لرئيس الإتحاد العالمي للسياحة والسفر (أوفتا). يروي علاقاته الوثيقة مع رؤساء الميدل إيست (نجيب علم الدين وأسعد نصر وسليم سلام ومحمد الحوت). يمزج الخاص والعام بطريقة يظهر فيها جانبا من تاريخ الحياة اللبنانية. يتزوج أولا من أسمى فتح الله ثم من الصحافية بارعة مكناس ويحتل المنزل أهل الفن والأدب سعيد عقل ونزار قباني ووديع الصافي وماجدة الرومي وعمر خورشيد وأنريكو ماسياس. يذكر أنه رأى سعيد عقل من منظار الباب يصفف شعره على طريقته المميزة. يتذكر سهرة مع فيروز لدى سفير الكويت في لبنان عبد الحميد البعيجان. تُسرق سيارته فيطلب المساعدة من خاله بهيج تقي الدين وزير الداخلية آنذاك فيجيبه: “بريتال؟ عندهم حصانة دبلوماسية”. يتصل به إبنه زياد من نيويورك ليزف إلبه خبر إختيار رفيقة عمره. “مبروك. بنت عرب. أكثر. لبنانية. أكثر. درزية. معقول. من بعقلين. بس مش شيخة يا إبني”. ولدت إبنته تاله فاقترح سعيد عقل تسميتها رندلى. واقترح عاصي رحباني “صيف أو شتي”. وقال نزار قباني بل ندى. وأخيرا اقترحت ديزي الأمير تاله. يحكي عن إبنته أمل علم الدين زوجة جورج كلوني المتفوقة في دراستها والمتواضعة في حضورها، أمل التي لها من إسمها نصيب والتي تحرز كل عذاب. يتذكر ما سمعه من خاله سعيد حين كان يقول لإبنته ديانا “لا أريد أن يقولوا إنك بنت سعيد تقي الدين بل أن يقولوا هذا والد ديانا تقي الدين. الآن يقولون إني والد أمل علم الدين، وهذا شرف لي”.

يخصص رمزي علم الدين فصلا في كتابه عن أعمامه وأخواله وخصوصا سعيد الذي “كان في أهم مراحل حياتي وساعدني في صقل شخصيتي”. يحضر في الثانية بعد منتصف الليل ويقول: “ولاه، قوم فروش لخالك”. كان يشعر أن خاله مطارد يختبئ ولا ينام. كان يرافقه من بعقلين إلى بيروت وكان يقول شيئا فيسأله أن يعيد فلا يجيب. ثم يصرخ خاله به: “ولاه ليش ما بترد على خالك”. فيقول: “حيرتني إيمتى بتحكي معي وإيمتى مع حالك”. يتذكر كيف كتب سعيد لشقيقه بهيج عندما فاز بانتخابات النيابة “تذكر يا بهيج بيّك ما كان يحب حدا ينام حدو وإيديه موسخين”. ويعطي مثلا من رسائله “ولاه… قشوط عالسفارة الطليانية وقلهم أنو خيلي بدو يعمل تجارة معكم… وما ترجع والسطل معك”. ويختم عن سعيد “كان أحد صناع فضاء الأمل الذي شملنا. كان رجلا أكبر من الحياة”. وعن خاله الأديب خليل تقي الدين الذي يكتب الخطب في البرلمان للمعارضة والموالاة، ويكتب الأدب “تمارا” و”العائد” والذي يردد في آخر العمر “راسي عم يشتغل بس جسمي مش عم يلحقني”. يرافق خاله المحامي بهيج إلى جلسات المحاكمة ويسمع القاضي يقول للمتهم: “ولا إذا كنت بريئا لماذا وكلت الشيخ بهيج”. ويكون معه في مناظرته التلفزيونية الشهيرة مع ريمون إده، تلك المناظرة التي أفرغت طرق بيروت من السيارات. ويسأل خاله بهيج (وزير الداخلية) كيف ألقت الدولة القبض على الذين أطلقوا النار على موكب رئيس الحكومة تقي الدين الصلح بهذه السرعة، فيجيب بهيج: “كبّر عقلك لم نقبض على أحد وكيف للناس أن تعلم”. ويروي عن خاله منير تقي الدين المناضل لأجل الإستقلال في حكومة بشامون والمحافظ والسفير والمدير العام لوزارة الدفاع الذي رمى صندوق الإقتراع من الشباك بعدما اكتشف التزوير في الإنتخابات النيابية لشقيقه بهيج.

تبهره شخصية كمال جنبلاط وثقافته وأسلوبه في التعامل مع الحياة والأحداث وبناء العلاقات مع الآخرين. المتواضع الذي يتناول فطوره على الأرض ويتابع شؤون الطائفة والسياسة على الهاتف منذ الخامسة صباحا. ونراه أيضا مع سليم الحص أستاذه في الأميركية وصديقه يمر إلى منزله في فردان ليأكل الفلافل قبل أن يعود إلى مكتبه في رئاسة الحكومة. ولا يعرف لماذا استبعده الرئيس الحص من لائحته في الإنتخابات النيابية بعدما عرض عليه الإنضمام إليها. يكتب عن الهجرة إلى بريطانيا زمن الحرب اللبنانية ويقارن بين الخدمات في لبنان رغم الحرب والتي تعمل أفضل من بريطانيا. قصة زواج إبنته أمل من الفنان جورج كلوني يرويها بلهفة الأب وخوفه “جن جنوني. إتصلت بي أمل تقول إن جورج يود التعرف إلي ويدعوني لزيارته… أجبتها إنني إبن جبل فإن أراد التعرف بي فعليه أن يأتي إلي” وبما أن لبنان كان غير آمن له إتفقنا أن نلتقي في مكان محايد عند أهل زوجتي آل مكناس في دبي”. ويضيف لاحقا: تعرفت إلى أحب شخص يمكن أن تختاره إبنتي ليكون رفيق حياتها”. وهو فخور بأنها أصبحت واحدة من بين 12 إمرأة منحتهن مجلة “تايم” الأميركية لقب “إمرأة العام”. المتعة تستمر في الكتابة عن الرحلات والسفر والحكايات الجميلة الطريفة مع رفاق السفر. يتذكر بوفاء وألم فقدانه أعز الأصدقاء الذين تسربوا وتركوا آثار الدمع على القلب. يتذكرهم بالضحكة والدمعة. يحزن لعائلة شهيد الثورة علاء أبو فخر ويؤمّن لأولاده منحة تعليمية في الجامعة الأميركية. صديقه أحمد ماسح الأحذية في شارع بلس الذي يأتيه الغداء من الماكدونالدز يتوفي فجأة ويشعر “ان شيئا من ذلك المكان قد تهدم او تداعى”.

في الكتاب صور بعدسة الكاميرا وبعدسة القلم وبعدسة القلب وخطابات في إفتتاح ساحة سعيد تقي الدين 2010 وعرس أمل في إيطاليا 2014 وعشاء متخرجي الجامعة الأميركية في لندن 2018 وشهادات من الأهل والأصدقاء (محمد المشنوق وسمير عطاالله “مخول عليم الله” ونضال الأشقر ومروان إسكندر وكمال بخعازي ووليد سليمان وغسان العريضي وغيرهم).
كتاب يفيض بعذوبته وعفويته وطرافته. وهات خبرنا لنضحك ونعتبر ونتذكر. رمزي علم الدين في “إحكي جالس” مثل الإبن البار في الحياة يجابهها بذكاء عندما تشمخ ويبادرها بالإنحناء عندما تعصف. وهو في الحالتين يده على قلبه مثل خاله الشيخ سعيد تقي الدين. يد الحب للحياة والأبناء والأحفاد والأصدقاء، ويد للكلمة الطيبة والمسكونة بالذكاء والسخرية.