سابين عويس
النهار
29032018
أن يخرج البطريرك الماروني من قصر بعبدا ناقلا عن رئيس الجمهورية قوله ان البلد مفلس، أو أن يعترف رئيس الحكومة بعد جلسة إقرار مشروع الموازنة من السرايا بأنه لولا إقرار المشروع “لكنا سبقنا اليونان”، شيء، وأن يُنقل عن الامين العام لـ”حزب الله” كلام عن انهيار مالي محتمل شيء آخر!
ليس لأن كلام رئيسي الجمهورية والحكومة لا يؤخذ على محمل القلق، بل لأن تعاقب الرجلين على إطلاقه بوتيرة متدرجة يأتي في سياق الضغط من أجل التعجيل في وتيرة إقرار إجراءات ترسل إشارات ايجابية وجدية الى مؤتمر “سيدر” المزمع عقده في السادس من نيسان المقبل. والدليل أن الحكومة، ومن بعدها المجلس النيابي، أنجزا مشروع موازنة 2018 بسرعة قياسية فاقت سرعة إقرار موازنة 2017، بعد مماطلة امتدت 12 عاما افتقد خلالها لبنان انتظامه المالي نتيجة تعطل إقرار الموازنات بفعل الصراع السياسي.
في الموازاة، تحرص الحكومة على إطلاق اشارات ايجابية في ملف الكهرباء، وكان رئيس الجمهورية واضحا في مجلس الوزراء عندما قال “اعطوني حلا الآن”. والكلام ليس بدوافع انتخابية فحسب، وإنما يهدف في الاساس الى التعبير عن حرص العهد على حل أزمة الكهرباء، وهو الملف الذي سيشكل عنوانا اساسيا من عناوين مؤتمر باريس، ونموذجا لمشاريع الشركة بين القطاعين العام والخاص التي ستعرض في المؤتمر، علما أن للحكومة تجربة سيئة جدا في الشركة مع القطاع الخاص في أكثر من مجال (الاتصالات ومقدمو الخدمات في مجال الكهرباء) لا تعطي نموذجا ناجحا ولا تشجع الشركات الاجنبية على المجيء والاستثمار!
أما الكلام الذي يدعو الى القلق، فهو ما لم يعلن من حديث الامين العام لـ”حزب الله”، والذي تناول فيه الملف الاقتصادي والمالي، كاشفا عن توجه الحزب الى مشاركة أكبر في القرار الاقتصادي.
واذا كان هذا الكلام يأتي من باب استهداف مؤتمر باريس، الا انه في الواقع يعكس قرار الحزب توسيع دوره السياسي والاقتصادي في حكومة ما بعد الانتخابات، انطلاقا من الحجم التمثيلي الذي ستمنحه اياه الانتخابات. والمفارقة ان هذه المسألة تحديدا هي التي دفعت الفرنسيين الى عقد المؤتمر، قبل الانتخابات من اجل انتزاع التزام من الحكومة الحالية ازاء المشاريع والاصلاحات المطلوبة قبل توسع صلاحيات الحزب ونفوذه داخل الادارة والمؤسسات. ومعلوم أن هذا الامر يجري بشكل واسع من خلال توظيفات كبيرة تسجل في الادارات لمصلحة الثنائي الشيعي.
أكثر ما يثير القلق في كلام نصرالله أنه خرج عن قرار الحكومة النأي بالنفس، بحيث صوب سهامه على الأميركيين والسعوديين الذين “يتدخلون في الانتخابات بإمكانات هائلة ووسائل قذرة لاستهداف المقاومة”.
أما رغبته في مكافحة الفساد، رغم ما ستسببه من “وجع رأس”، فتعود الى أن الوضع الاقتصادي في البلد على حافة انهيار فعلي كما يقول، كاشفا ان الوضع المالي بات يستدعي “وجوداً قوياً لنا في مجلس النواب والحكومة لحماية البلد”، ومعتبرا أن “خدمة الدين قد تؤدي إلى إفلاس الدولة وانهيارها بعدما عجز الأميركيون عن مواجهتنا بالقوة”.
في كلام نصرالله اتهام للولايات المتحدة الاميركية والمملكة العربية السعودية بالوقوف وراء الاستهداف الاقتصادي والمالي. والرد عليه بقرار من شورى الحزب بالمواجهة. وأولى خطوات المواجهة ستكون عبر استهداف مؤتمر باريس الذي يرى فيه نصرالله ان ثمة من يريد أن “يركب 17 مليار دولار جديدة من الديون لنهبها”.
ولكن السؤال المطروح في الاوساط الاقتصادية والمالية عن السبب الكامن وراء التهويل بالانهيار على مستوى أعلى السلطات الحاكمة في البلد، بدءا من رأسي الهرم التنفيذي وصولا الى السلطة الحاكمة بقوة السلاح. وهل هذا يدخل في اطار المزايدات السياسية كما وصفها حاكم المصرف المركزي رياض سلامه او انه في اطار التمهيد على قاعدة “قد أعذر من انذر”، بما يرفع مسؤولية اي انهيار محتمل عن هذه القوى، او ان الوضع فعلا بلغ شفير الافلاس؟
للأوساط الاقتصادية قراءة متأنية أكثر تستند الى المعطيات من خارج الحسابات السياسية. وفيها دعوة واضحة وصريحة الى وقف استغلال الموضوع المالي في البازار الانتخابي والسياسي لما يرتبه من زعزعة للثقة، وهي العامل الاهم في الاستقرار النقدي.
في المعطيات، تدعو الاوساط الى التمييز بين الوضع الاقتصادي والوضع النقدي. وإن كانت الصلة وثيقة بينهما. فالوضع الاقتصادي صعب حتما كما يظهره تراجع كل المؤشرات في مختلف المجالات التجارية والصناعية والعقارية وغيرها، ولكن الوضع النقدي سليم ولا يزال صامدا. والقلق مبرر من دق جرس الانذار، اذا كان الهدف التحفيز على المعالجة والاصلاح، لأن الوقت لم يصبح داهما بالكامل، والفرص لا تزال متاحة. لكن الافلاس يصبح وشيكا اذا استمر اغفال الاجراءات المطلوبة والهادفة الى احتواء تنامي الدين والعجز المالي الذي يشكل المؤشر الابرز والاخطر للانهيار.
حتى الآن، كل الاشارات الرسمية لا تزال دون المستوى، من موازنة 2017 إلى موازنة 2018 التي يجري سلقها في البرلمان إكراما لمؤتمر باريس، ذلك ان المطلوب والملح ليس اجراءات “مسلوقة” بل قرار سياسي متوافق عليه بالاجماع بالمعالجة لوقف تدحرج كرة ثلج… الافلاس!
sabine.oueiss@annahar.com.lb