11-03-2021 | 19:46 المصدر: “النهار”


من الاحتجاجات الشعبية في الأيام الماضية (“النهار”).
تكثّفت حملات الضغط في الأيام الأخيرة من أحزاب الأكثرية الحاكمة على المواطنين الذين لم يجدوا سبيلاً في التعبير عن صرختهم المعيشيّة سوى افتراش الطرقات والعودة إلى التحرّكات الشعبيّة التي شملت غالبية المناطق اللبنانية. وقد حاول المحسوبون على هذه الأحزاب – وفي طليعتها “حزب الله” – صبغ الاحتجاجات باعتبارات سياسيّة أو موجّهة ضدّ جمهور معيّن لمنعه من حقّه في التنقّل بحريّة، في وقتٍ كانت المناطق المحسوبة شعبيّاً على “الحزب” تشهد بدورها تحرّكات مشابهة منبثقة من وجع معيشي لا يفرّق بين لبنانيّ وآخر. وبدا من اللافت للمراقبين غياب المفردات ذات البعد المعيشيّ عن قاموس الخطب السياسيّة للأحزاب الحاكمة التي لم يُسمع على لسانها قراءات عن الواقع المرتقب لجهة “اشتعال” أسعار المواد الغذائية والمحروقات التي سيمنَع لهيبها المواطن من التنقّل للتنزّه أو العمل، من دون حاجة إلى إحراق إطارٍ على مدخل طريق عام. ولعلّ الاختناق الناجم عن “اشتعال” الأسعار أكثر ضرراً من استنشاق رائحة أخشاب محروقة وأكثر تطويقاً لمصير اللبنانيين من الجلوس ساعات في سيارة. وتنطلق أوساط سياسيّة معارضة من مشهديّة حالكة تعبّر عنها لـ”النهار” في إشارة إلى الأسوأ المرتقب في وقتٍ تنعدم فيه الخيارات أمام الشعب الذي نزل ليعبّر عن اعتراضه وسط أفق مقفل أمام ولادة الحكومة لجملة اعتبارات يمكن اختصارها بصورة بابٍ يحتفظ بمفتاحه الأوّل محور “الممانعة” بغية حصر كلّ المفاوضات الجارية في المنطقة بوجهة واحدة (إيران)، فيما يمسك رئيس الجمهورية بالمفتاح الثاني الذي لا يمكن استخدامه طالما أنّ القطيعة مستمرّة مع الرئيس المكلّف الذي بدوره يحمل مفتاحاً ثالثاً قائماً على تشكيل حكومة وفق تصوّر لا يتلاءم مع الأكثرية الحاكمة. في غضون ذلك، بدأت التحذيرات تتصاعد على لسان مراجع مالية مسؤولة في قولها لـ”النهار” إنّ أسعار الوقود في لبنان تتّجه صعوداً في المرحلة المقبلة لاعتبارات منها مرتبطة بارتفاع سعر برميل النفط عموماً مع ازدياد الطلب على المحروقات، بعدما بدأت تتراجع الإجراءات المفروضة في عواصم عالميّة عدّة بعد المضيّ في عملية التلقيح لمواجهة جائحة الكورونا؛ علماً أنّ ارتفاع سعر صفيحة البنزين لبنانيّاً كلّ أسبوع لا يزال محدوداً جدّاً باعتبار أنّ الدعم لم يرفع حتى الساعة، وإلّا كانت الارتفاعات شهدت سقوفاً جنونيّة مرتبطة بسعر صرف السوق السوداء، بما معناه تسعير الصفيحة بحسب دولار السوق السوداء وزيادة أكثر من 10 آلاف ليرة على كلّ دولار ارتفاع في سعر البرميل. ولا يعني ذلك أنّ سياسة الدعم المتّبعة، كانت تبعاتها أفضل من عمليّة رفع الدعم، وما يستوقف المراجع المالية في هذا الصدد أنّ المفاجأة تكمن في عدم انخفاض الكميّة المستهلكة من البنزين خلال الأشهر الماضية في لبنان، بل ارتفاعها عن المعدّلات الطبيعيّة رغم ظروف جائحة كورونا والإقفال العام والأوضاع الاقتصادية الصعبة التي كانت جميعها لتحتّم على المواطن خفض شرائه للوقود. وتشير هذه القراءة إلى أسباب غير طبيعية تؤدي الى تبخّر المحروقات المستوردة من دون احتراقها في خزّانات العربات اللبنانية، ما يدلّ مباشرةً إلى استفحال مظاهر التهريب العصيّة على الكبح والتي تعيدها المراجع إلى أسباب سياسيّة – ربحيّة متشابكة في وقت يكفي استطلاع طوابير الشاحنات المهرّبة على طريق المصنع لتكوين صورة عن واقع التهريب الذي لا يقتصر على المعابر غير الشرعية بل يتّخذ صفة “على عينك يا تاجر” سالكاً طريق المعابر الشرعية. وتجدر الإشارة إلى أنّ سياسة الدعم المتّبعة تنال انتقادات واسعة في المجالس الاقتصادية باعتبار أنّه كان من الأجدر ضخّ المليارات التي تنفق على شراء المحروقات في السوق، ما يساهم في خفض سعر الصرف واتجاه التجار إلى الأسواق لشراء ما يكفي الحاجة اللبنانية من الوقود وبيع الكميّات وفقاً لأسعار غير مدعومة ما يمنع تهريبها حدوديّاً؛ بدلاً من الاستمرار في استنزاف ما تبقى من احتياطات في المصرف المركزي ومن ثم الاتجاه إلى رفع الدعم بعد إنفاق الأموال. وتضاعف هذه القراءة المخاوف والمحاذير من الضغوط السياسية الطابع التي تؤدي دورها السلبي في الضغط على استمرار الدعم العشوائيّ، فيما تطاول الهواجس الاحتياطي الالزامي خصوصاً أنّ نظرة المتابعين غير متفائلة لناحية استمرار الضغوط السياسية التي إذا ما تابعت إبراز شراهتها سيؤدي ذلك إلى تضاعف علامات الاستفهام في الأسابيع المقبلة حول مصير ما تبقى من أموال مودعين وإذا ما كانت هذه الأموال ستبقى. ولم يكن ينقص الوضع السوداويّ سوى تسليط السلطة السياسية الضوء على ما يسمّى المنصات وملاحقات الصرّافين ما يدفع المراجع المالية إلى إطلاق نداء تدعو فيه إلى عدم الوقوع في فخّ ما يشاع من أخبار في إطار نظريّة المؤامرة العارية من الصحّة، مطلقةً تحذيراتٍ من أنّ المضيّ في تحميل المسؤولية للصرافين والمنصات سيؤدّي إلى نتائج عكسيّة ترفع سعر الصرف أكثر بدلاً من أن تساهم في خفضه، لأنّ هذا الإجراء سيحوّل العملات الصعبة إلى نادرة في السوق (طلب في غياب العرض)، ما يعني تنشيط عمليات الصرافة الخفيّة التي لها ارتداداتها الأكثر سلبية على العملة اللبنانية. بمعنى آخر، تصنّف هذه القرارات في خانة العشوائية التي يغيب عنها اتّباع المعايير العلميّة في الإجراءات الاقتصادية. majed.boumoujahed@annahar.com.lb