17-03-2023 | 00:10 المصدر: “النهار”

واشنطن (أ ف ب).
لم تكد تمرّ أيام قليلة على الاعلان عن الاتفاق السعودي – الايراني برعاية الصين ووساطتها، وقبل ان تتكشف المواقف الاميركية والاسرائيلية منه، حتى أُعلِن عن حدث أمني داخل الاراضي الاسرائيلية هو الأول من نوعه من حيث الشكل والمضمون.
فوسط صمت مطبق من جانب “#حزب الله“، تحدثت رواية اسرائيلية عن انفجار عبوة ناسفة عند مفترق بلدة مجيدو جنوب شرق مدينة حيفا لدى مرور سيارة، ما ادى الى تضررها، اضافة الى سيارة اخرى كانت تعبر الطريق عينه. وحمّلت الرواية مسؤولية التفجير لشخص عبَر الاراضي اللبنانية الى إسرائيل محملاً بالاسلحة والاحزمة الناسفة الجاهزة للاستخدام. وأخطر ما ورد في الرواية كما صدرت في بيان رسمي عن الاجهزة الامنية، ان التحقيق يجري في شكل موسع للتحقّق من تورط “حزب الله”.
هذا الحادث معطوف على الاعلان عن اتفاق بكين طرح اشكالية واضحة حول ما اذا كان من الواجب الربط بين الحدثين واعتباره واقعيا، أم ان الحدث الامني يتصل حصراً بالمشهد الاسرائيلي الداخلي المأزوم؟
أياً يكن الجواب الصحيح على هذه الاشكالية، فإن ثمة عوامل عدة تدفع الى هذا الاستنتاج انطلاقاً من مشهد اقليمي ودولي متشنج ومتعثر، إن على مستوى الحرب الاميركية – الصينية الباردة، وقد قدمت بكين نفسها وسيطاً فاعلاً وقادراً على إحداث خرق في الصراع الاقليمي، ويحظى بثقة فريقي هذا الصراع، أو على مستوى التفاهم السعودي – الايراني بعد سبعة اعوام من الصراع الحاد، ولم تكن واشنطن بعيدة عن تغذيته في اطار سياستها القائمة على توازن القوى في المنطقة، أو على مستوى إسرائيل المأزومة داخلياً والعاجزة عن التفرغ لمعالجة الضرر الذي يلحقه بها اي اتفاق جِدّي بين الرياض وطهران.
من هنا، يصبح السؤال عن ردة الفعل الاميركية من جهة والاسرائيلية من جهة اخرى مبرراً، كما هي الحال بالنسبة الى الخشية من ان تكون ردة الفعل هذه على حساب لبنان، طالما ان اصابع الاتهام الاسرائيلية في اول حدث امني من نوعه داخل الاراضي الاسرائيلية وُجّهت الى “حزب الله”، ما يعيد الى الاذهان مشاعر القلق من ان تتطور هذه الاتهامات الى أي نوع من الاعتداءات وزعزعة الاستقرار الهشّ على الحدود وفي الداخل اللبناني.
من هنا، كان السؤال: هل سيكون لبنان امام مرحلة جديدة من الاضطرابات أو الاعمال العسكرية، إما على خلفية هروب إسرائيل من ازمتها الداخلية عبر اشعال فتيل خارج حدودها، وإما عبر توجيه اميركي لها يرمي الى زعزعة اتفاق بكين، على خلفية ان لا يد لواشنطن فيه ولا رصيد، وان من شأنه اذا استُكملت فصوله في مهلة الشهرين المحددة في الاتفاق، ان يطيح الوجود الاميركي في المنطقة ويكرّس العملاق الآسيوي وسيطَ سلامٍ او صانعاً له في منطقة توزعت دولها بين ولاء شديد لواشنطن مقابل عداء شديد لها.
لم يساعد الانسحاب التدريجي واللامبالاة الاميركية بالمنطقة إلا على زيادة حالة التشتت والتقهقر بين الدول الدائرة في الفلك الاميركي، الى ان قررت المملكة العربية #السعودية الامساك بزمام القرار وادارة اللعبة وفق قواعدها. فالمملكة التي وقّعت قبل ايام اتفاقا مع ايران، أتمّت امس صفقة تأسيس “شركة طيران الرياض” وطلب اسطول طائرات مكوّن من 72 طائرة “بوينغ دريملاينز” لربط الرياض بأكثر من 100 وجهة عالمية بحسب ما اعلن ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان. وقد رحب البيت الابيض بالصفقة البالغة قيمتها نحو 37 مليار دولار، كاشفاً انها تدعم اكثر من 140 ألف وظيفة اميركية.
وتذهب المخاوف الى حد الخشية من ردة الفعل الاميركية حيال الدخول الصيني القوي الى المنطقة من باب اتفاق بكين، ما يدفع مصادر سياسية الى التحذير من مخاطر مرحلة المخاض السعودي – الايراني المحددة بشهرين قبل ولادة الإتفاق النهائي الذي سيرسم معالم العلاقات المستقبلية بين البلدين في الدرجة الاولى، وبين الدولتين وحلفائهما في درجة ثانية لا تقل اهمية، على اعتبار انها ستحدد بوصلة التسويات الآتية الى هذه الدول، بدءاً من اليمن مروراً بالعراق فسوريا وصولاً الى لبنان.
والسؤال: هل يصمد الاتفاق في مرحلته التجريبية فيؤدي الى تسويات متكاملة وشاملة يتقاسم فيها راعيا الاقليم خريطة النفوذ في المنطقة، أم يسقط امام اختراقات وتدخلات اميركية بأذرع اسرائيلية في سياق ابقاء الامر في يد واشنطن؟
الاكيد حتى الآن بالنسبة الى لبنان ان القرار الاميركي بصون الاستقرار ودعم الجيش لمنع زعزعته لن يحولا دون استمرار سياسة واشنطن غضّ الطرف عن الانزلاق المتمادي نحو اعماق الانهيار الجهنمي الذي بدأ مع عهد العماد ميشال عون ولم ينتهِ بنهايته.
sabine.oueiss@annahar.com.lb