الرئيسية / home slide / أيّ “خارج” سينتخب رئيس لبنان بعد عون؟

أيّ “خارج” سينتخب رئيس لبنان بعد عون؟

06-05-2021 | 00:05 المصدر: النهار

سركيس نعوم

قصر بعبدا

 راهن لبنانيّون كثيرون مُعادون سياسيّاً لرئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون ولـ”التيّار الوطني الحر” الذي أسَّس ولرئيسه النائب جبران باسيل الذي تربطه به علاقة مصاهرة على أنّ السن المُتقدِّم للأوّل وما يُرافقها من اضطرابات صحيّة جعلته تحت مراقبة طبيّة محليّة وخارجيّة دائمة، راهنوا على أنّ ذلك ربّما يدفعه إلى عدم إكمال ولايته سواء بفعل العجز أو بفعل الانتقال إلى جوار الربّ لا سمح الله. عزّزت رهانهم هذا مُعطيات كثيرة ومُتنوّعة عن صحّته وتطوّراتها شبه اليوميّة سرّبتها إلى الرأي العام المُعادي له والمؤيِّد والحيادي جهات داخليّة وخارجيّة ذات قدرة على الوصول إلى المصادر الفعليّة للمعلومات. كما عزّزته الفحوصات الدوريّة وأحياناً المُفاجئة وغير المُبرَّرة في أحد أبرز مستشفيات العاصمة بيروت. اللافت هنا أنّ غالبيّة المعلومات التي سُرِّبت ونُشرت بأكثر من قصد كانت صحيحة في غالبيّتها.

لكنّ المُراهنين فاتهم أنّ أعمار بني البشر في يد الله. فهو الذي أعطى ويُعطي وديعته وهو الذي يأخذها حين “تنتهي زيتاتها”. الدليل الأبرز على ذلك مُتابعة الرئيس عون مهمّاته الرئاسيّة وإن بتعبٍ حيناً وإن بتؤدة حيناً آخر وإن بمساعدة علاجيّة طبيّة حيناً ثالثاً. طبعاً لا يرمي هذا الكلام إلى الذمّ بالمراهنين الكثيرين على الأمر المُشار إليه أعلاه. إذ أنّ رهانهم موقفٌ سياسي له مبرّراته رغم عدم أخلاقيّته، مثلما هو موقف سياسي رافض الاعتلال في الصحّة الرئاسيّة عند أنصاره ومُحبّيه والعاملين معه وأعضاء “تيّاره” رغم اطّلاعهم على حاله الصحيّة وحيازة بعضهم تقارير طبيّة مُفصّلة عنها. فالمراهنون على الصحّة الجيّدة لعون والمُتمسّكون بنفي اعتلالها يتصرّفون في السياسة على نحو يجعل أخصامه وأعداءه المراهنين على “الخلاص” منه يقتنعون بأنّ هناك “عطلاً” مُهمّاً في صحّته. ما يدفعهم إلى ذلك، وخصوصاً بعد “ثورة 17 تشرين الأول” 2019 والتطوّرات التي أعقبتها ولا تزال تعقبها حتّى الآن استقالة حكومة الرئيس سعد الحريري وخلافه مع تيّاره وجهات سياسيّة أخرى وازنة في البلاد مع “التيّار الوطني الحر” ومؤسِّسه الرئيس عون ورئيسه الحالي صهره جبران باسيل. أهمّ هذه التطوّرات استقالة الحكومة التي أُلّفت بعد استقالة الحريري، وتكليف الأخير تأليف حكومة جديدة قبل 9 أشهر وتعذًّر ذلك عليه حتّى الآن، ووقوع البلاد في انهيار سياسي وأمني ومالي ونقدي واقتصادي واجتماعي وأخلاقي كبير دفع العالم الشقيق والعالم الأوسع إلى اعتبار الدولة القائمة فيها فاشلة. في هذا المجال يُفيد مُتابعون مُحايدون من قرب للوضع السياسي اللبناني بتشعّباته وتعقيداته أنّ أحد أسباب التشدُّد الذي يُبديه عون وصهره باسيل هو الاقتناع بأنّ “المفاجأة الصحيّة القاضية” صارت احتمالاً قد يتحقَّق أثناء الولاية الرئاسيّة أو قد لا يتحقَّق إلّا بعد انتهائها. وهذا أمرٌ يفرض عليهما التحوُّط والعمل لإقامة وضع حكومي يُعطي باسيل القدرة على تعطيله إذا حلَّ مجلس الوزراء مكان الرئاسة الأولى بفعل إرادة الله. ذلك أنّ الدستور يُنيط به ممارسة صلاحيّات شاغل الرئاسة بعد غيابه إلى حين انتخاب خلف له. من أسباب التحوُّط، إلى الحرص على الموقع المسيحي الأوّل في البلاد وعلى استمرار فاعليّته وإن من خلال مجلس وزراء “رئاسي” إذا جاز التعبير على هذا النحو، الطموح إلى التربُّع على سُدّة الرئاسة في قصر بعبدا، وهذا أمرٌ يشغل بال باسيل من زمان وقد شغِل بال عمّه الرئيس عون ولا يزال يشغله.

 في أيّ حال لا يخوض “الموقف هذا النهار” معركة إسقاط رئيس الجمهوريّة بالسياسة أو باستجابة الله عزّ وجلّ دعوات أعدائه، ولا يخوض معركة وصول أيّ من أعدائه وهم كثيرون إلى سدَّة الرئاسة، ولا معركة وصول باسيل إليها. لكنّه يحرص دائماً على إطلاع الرأي العام على “أجدّ” المعطيات والمعلومات عن هذا الموضوع، إذ أنَّه ويا للأسف الهمّ الأوّل والهدف الأوّل عند زعامات الدرجة الأولى لدى المسيحيّين على تناقضهم، والهمّ الأوّل والهدف الأوّل أيضاً عند زعامات الدرجة الأولى عند المسلمين على تنوُّع انتماءاتهم المذهبيّة وتناقضها. علماً أنّ هدفاً وهمّاً آخرَيْن قد يكونان في رؤوس الزعامات الأولى المسيحيّة والمسلمة وهما الصيغة والميثاق والدستور والطائف أو التخلّي عنها كلِّها سواء من أجل مُثالثة مسيحيّة – سنيّة – شيعيّة أو ثنائيّة إسلاميّة أو فيديراليّة أو…

 من ينتخب الرئيس المقبل للبنان سواء في الموعد الدستوري المُحدّد لذلك أي قبل أقلّ من سنتين أو قبله أو حتّى بعد شغور الرئاسة وحتّى بعد استمرار هذا الشغور، وهذه الاحتمالات واردة كلّها؟ الذين درسوا تاريخ لبنان منذ تأسيسه عام 1920 (لبنان الكبير) ثمّ بعد استقلاله عام 1943 يعرفون أنّ فرنسا كانت لها وحدها الكلمة في “الكبير” هذا وفي كل المجالات في أثناء مرحلة الانتداب. ويعرفون أيضاً أنّ بريطانيا نازعتها آحاديّتها اللبنانيّة، ونجحت في إيصال الشيخ بشارة الخوري إلى رئاسة الجمهوريّة قبل الاستقلال وفي إقصاء مُنافسه حليف فرنسا إميل إدّه، وهو الذي فرض استقلال دولة لبنان عن فرنسا بمساعدة لندن أيضاً ثمّ جلاء جيوشها عن أراضيه عام 1946.

  ماذا عن المرحلة التي أعقبت استقالة “أبو الاستقلال” عام 1952 بعد انتفاضة شعبيّة مسيحيّة – مسلمة مُتنوّعة عليه جرّاء تجديده ولايته خلافاً للدستور عام 1949، وجرّاء تزويره الانتخابات النيابيّة لعام 1947 بُغية حيازة غالبيّة نيابيّة مؤيّدة للتجديد، كما جرّاء إفساد شقيقه المعروف بـ”السلطان سليم”. علماً أنّ فساده لا يُقارن بفساد غالبيّة الذين خلفوا أخيه في الرئاسة ولا فساد الطبقات السياسيّة التي خلفت طبقته على وجه الإجمال.
من انتخب رؤساء لبنان بعد ذلك؟ ومن هو ناخبه أو من سيكون ناخبوه بعد انتهاء الولاية الدستوريّة للرئيس الحالي ميشال عون؟ 

sarkis.naoum@annahar.com.lb