اخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / أين تعثّرت استعادة المسيحيين للمبادرة؟

أين تعثّرت استعادة المسيحيين للمبادرة؟

روزانا  بومنصف
31102017
النهار

شهدت كل من واشنطن ونيويورك الاسبوع الماضي تظاهرتين مسيحيتين، إن صح التعبير، صادفتا موعد انتهاء السنة الاولى من عهد الرئيس العماد ميشال عون. وبعيداً من “التقريش” المبسّط للانجازات او الاخفاقات خلال هذه السنة والذي يحتمل جدلاً ليس المجال متاحا للدخول فيه في هذا السياق، فانه وعلى خلفية المبادرة الخارجية لدعم الحضور المسيحي وتشجيعه في لبنان وتاليا في المنطقة، يخشى ان المسيحيين لم يستطيعوا استعادة المبادرة في جعل صورة لبنان مختلفة عن السابق، كما سيكون مبالغا فيه جدا القول ان المسيحيين الذين دعاهم نائب الرئيس الاميركي الى البقاء حيث هم وان الدعم سيأتي اليهم، يلقون معاملة مميزة بناء على كونهم مسيحيين. ففي زمن الرئيس الشهيد رفيق الحريري سُجّلت شكوى كبيرة لدى الافرقاء المسيحيين من ان فرنسا تحولت عن ان تكون راعية وداعمة للمسيحيين بصفتها الأم الحنون الى دعم افرقاء آخرين في ظل تشرذم المسيحيين آنذاك وخياراتهم السياسية وتشتت قادتهم ودعم لبنان مختلف، او شهد تغييرات كبيرة، من دون القدرة على انقاذه او اعادته الى الوراء وتبعاً للمصالح المباشرة التي تمليها الواقعية في هذا الاطار.

كان انتخاب العماد عون قبل سنة امتحانا وتحديا في هذا المجال، لكن الفريق المسيحي لم يستطع بعد اعادة كسب الدور الذي يجعله او يمكّنه من توجيه الدفة اللبنانية اقله في جزء كبير منها باعتبار ان الامور لم تعد كما في الماضي وثمة شركاء اكثر فاعلية في السلطة. لكن الرئيس عون ليس اي رئيس وفق المواصفات المعروفة عنه وبصفته الرئيس القوي الذي سيعيد الى المسيحيين دورهم. هذا الجانب تم توظيفه في الداخل، لكن هذا يعني في شكل اساسي السياسة الخارجية بحيث لم يثر الفريق المسيحي العائد بقوة تحت عنوان حصوله على تناغم او توافق بين الفريقين المسيحيين الاقوى على الساحة الداخلية، وتحت عنوان تحالفات تسمح له باستخدام هامشه للتقدم بلبنان نحو أفق آخر غير الذي طبع الاعوام الماضية، اهتمام الدول الغربية كالولايات المتحدة مثلا او الدول العربية ايضا على رغم انفتاح هذه الاخيرة على رئيس الجمهورية وكذلك استقباله من فرنسا بزيارة دولة. فالقيود الاقليمية والمحلية التي تحكمت بلعبة الرئاسة قبل الانتخابات بقيت على حالها وفرضت التزاماتها بحيث تراجع الرهان باكرا على امكان اي تغيير، علما انه يبقى قائما ولكن في الحد الادنى. وما لم تكن الرئاسة المسيحية القوية قادرة على التعاطي مع الولايات المتحدة ومع الدول الغربية كما مع الدول العربية من دون عقد وبقدرة كبيرة على محاولة الاقناع وتجنيد هذه الدول في دعم لبنان، يصعب القول ان للمسيحيين ادوارا حيوية تلقى دعما خارجيا على رغم ان العنوان الرئيسي للسياسة المعتمدة لدى الدولة هي النأي بالنفس. وقد تكون المطالبة بهذه الادوار امرا مبالغا به في الواقع قياسا الى الاطار الذي تتفاعل فيه الامور في المنطقة وعبرها في لبنان، لكن التقويم الموضوعي يبنى على واقع ان الفرصة التي اتاحها انتخاب العماد عون إن من ناحية الشعبية التي تمتع بها او من حيث الدعم الذي حصل عليه، قد لا تتاح مرة اخرى امام استعادة دور مسيحي فاعل يمكن ان يعيد الاحترام الى لبنان كبلد يستحق الدعم لتنوعه وقدرته على لعب ادوار يحتاج اليها لبنان والمنطقة، فيما اشتكى الزعماء المسيحيون من تراجعه بعد اتفاق الطائف. وثمة ما لا يمكن تجاهله وهو ان التحالفات الاقليمية قد صعّبت جدا وصول العماد عون الى الرئاسة قبل اعوام عدة، وهي التحالفات نفسها التي لم يستطع الخروج منها بغض النظر عن ارادته او رغبته في ذلك، والتي تلجم استعادة المسيحيين دورا او بناء دور مختلف انطلاقا من رئاسة الجمهورية.

ولا يناقش احد في حجم المكاسب الداخلية من حيث انتزاع الحصص من الافرقاء الآخرين، مسلمين او مسيحيين، او السعي الى السيطرة عملانيا على مفاصل القرار لدى المسيحيين، علماً ان المسألة تبقى عند هذا الحد في التكتيك، في حين ان الامور مختلفة في الاستراتيجيا. ففي ظل تسوية هي بمثابة ربط نزاع بحيث لا يناقش الزعماء السياسيون في ما بينهم او على طاولة مجلس الوزراء اي موضوع حساس يتصل بادارة سياسة لبنان الخارجية على اي صعيد كان، اي علاقاته مع الدول، او على صعيد صداقاته او قدرته على حشد الدعم لاي من الملفات الحساسة الاقتصادية او الانسانية كموضوع النازحين، او حتى امتلاك القدرة على منع فريق لبناني من شن حملات على دولة عربية صديقة نتيجة اعتبارات معروفة، فان الواقع المسيحي يبقى في ازمة حتى لو اختلفت مواقع افرقائه الاساسيين. فالفريق الذي اضحى مقررا الى جانب الافرقاء الآخرين في البلد على قاعدة طائفية باعتبارها الاسلوب المعتمد، لم تساهم التحولات التي حصلت لمصلحته في محاولة اجراء اي تعديل جذري بل على العكس من ذلك.

التطورات التي تتفاعل في لبنان ومن حوله لم تكن تسمح باكثر من ادارة الواقع الراهن في البلد حتى اشعار آخر، اي في انتظار ايجاد حل للحرب في الجوار السوري في شكل اساسي كما في المنطقة نتيجة صراع اقليمي محتدم. لكن في الوقت نفسه فان التغييرات كانت ستكون محدودة في اي حال، والمشكلة في مَن رفع سقف التوقعات الى ابعد مما هو محتمل او ممكن في هذه الظروف وظروف اخرى محلية او ضيقة.

rosana.boumonsef@annahar.com.lb

اضف رد