الرئيسية / home slide / أوكرانيا: سنة على الغزو

أوكرانيا: سنة على الغزو

في 24 شباط (فبراير) 2022 أطلقت موسكو ما أسماه الكرملين «عملية عسكرية» في أوكرانيا، اتضح سريعاً أنها اجتياح صريح انطوى على نشر قوات كبيرة بأعداد هائلة وتطور سريعاً إلى معارك كر وفر بين الجيشين الروسي والأوكراني، فتسبب في وقوع عشرات الآلاف من الضحايا وتشريد الملايين مما خلق مشكلات إنسانية صعبة، كما أسفر عن اختلالات عالمية حادة في توريد الطاقة والحبوب والمواد الغذائية. وفي خريف العام المنصرم ضمت موسكو أربع مناطق أوكرانية، وأوحت مراراً باحتمال اللجوء إلى السلاح النووي رداً على تدفق الأسلحة إلى أوكرانيا بمبادرات من الحلف الأطلسي، في حين أن مفاوضات السلام المحدودة تعثرت أو توقفت تماماً.
(حدث الأسبوع 8 ــ 15)


بوتين عالق في «فخ» الحرب والغرب يريد استنزافه علّه يُخضع روسيا

رلى موفّق
القدس العربي الأسبوعي

يدخل الغزو الروسي لأوكرانيا سنته الثانية في الرابع والعشرين من شباط/فبراير الحالي. قبل الغزو بأيام، استعان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بـ«التاريخ»، وهو يُخاطب الرأي العام، ليقول إن أوكرانيا أراضٍ روسية، وهي تأسَّست بالكامل بفعلٍ روسي من قبل فلاديمير لينين، وجوزيف ستالين، ونيكيتا خروتشوف، والأخير هو الذي «اقتطع عام 1954، لسبب ما، شبه جزيرة القرم عن روسيا ووهبها لأوكرانيا». كرَّس بوتين لنفسه مهمة تصحيح الأخطاء التي ارتكبها أسلافه بالنسبة لأوكرانيا.
خطا، إثر «الثورة الأوكرانية» في 2014 التي أطاحت بالحكم الحليف له، خطوته نحو ضم شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي، ودعم قوات موالية لروسيا في منطقتي دونيتسك ولوهانسك في إقليم دونباس شرقي أوكرانيا قررت الانفصال. في خطاب 21 شباط/فبراير 2022، أعلن اعترافه بسيادة هاتين «الجمهوريتين» المتاخمتين للحدود الروسية، قبل أن يشنَّ فجر 24 هجوماً على أوكرانيا سمَّاه بـ«العملية العسكرية الخاصة» لحماية دونباس. يومها قال إن روسيا لا تهدف إلى احتلال أوكرانيا، رغم دعوته الجيش الأوكراني إلى إلقاء سلاحه، لكن سفيره لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبينزيا كان أكثر وضوحاً حين أعلن أن بلاده تستهدف «الطغمة الحاكمة» في كييف.
حاول في بدايات الغزو الوصول إلى قلب العاصمة، لكنه عاد وأنكفأ إلى الشرق الذي لا يزال يُقاتل بشراسة لاحتلاله مستعيناً بمجموعة «فاغنر»، الذراع العسكرية – الأمنية غير الرسمية التي يستخدمها الكرملين حيث الحاجة، من دونباس إلى سوريا، وليبيا، والسودان، ودول أفريقية عدة. كانت موسكو لا تنكر وجود هكذا منظمة مكوَّنة من مرتزقة تتكئ عليها في حروبها الخارجية لمدِّ نفوذها. وحين أضحى دورها ضرورة ماسة في أوكرانيا، ظهر مؤسسها رجل الأعمال يفغيني بريغوجين إلى جانب بوتين، وبات الكلام علنياً عن تجنيد سجناء بعد استصدار قانون يمنحهم العفو إذا التحقوا بجبهات القتال. تتنمَّر قوات فاغنر على الجيش النظامي. فعلتْ ذلك حين احتلت مدينة سوليدار، وتفعله مجدداً في معاركها الشرسة من أجل السيطرة على باخموت، التي ضربتْ لها موعداً بعد شهرين رغم الكلفة العالية التي تدفعها، والإمكانات التي يضعها في خدمتها ثاني أقوى جيش في العالم. هذا الجيش الذي احتلَّ خيرسون، البوابة الشمالية لشبه جزيرة القرم، لكنه عاد ومُني بهزيمة كبرى بخسارتها وانسحاب جنوده منها. وهو الأمر الذي اعتبر نصراً إستراتيجياً للجيش الأوكراني الذي لا يمكن مقارنة عديده وترسانته بالحيش الروسي.
مأزق بوتين يتجلّى في إعلانه ضم مناطق لوغانسك، ودونيتسك، وزاباروجيا، وخيرسون، إلى روسيا، رغم أنه لا يُسيطر، بشكل كامل وفعليّ، على أي منها. يحتاجُ الرجل إلى الإطباق على هذه المناطق ليُعلن النصر حتى لو بدا مكلّلاً بطعم الهزيمة.
في قراءة العارفين بعقل «سيد الكرملين»، ليس بإمكان الرجل التراجع ولا التقدُّم. بات عالقاً. وَقَـعَ في «الفخ» حين جرى الإيحاء له بوجود ضوء أخضر أمريكي لتوغّل محدود. منذ أن اجتازتْ قواتُه الحدود، وهي تغرق في الوحول الأوكرانية. القول إن روسيا تُقاتل «الناتو» لا يستقيم كثيراً، فـ«حلف شمال الأطلسي» لا يزال «يُـدَوْزِنُ» نوع الأسلحة التي يمنحها لكييف، كي يبقى الصراع مضبوطاً ولا يتوسَّع إلى حربٍ مع دول «الناتو»، وإلى حربٍ عالمية ثالثة. لا يمدُّ أوكرانيا بأسلحة يمكن استخدامها للهجوم على الأراضي الروسية. لا يريدُ الغربُ توجيه ضربة مذلّه لـ«القيصر»، فذلك يُمكن أن يُخرج الرجل عن طوره، ولا سيما أنه سبق أن هدَّد بالسلاح النووي.
تحشدُ موسكو قواتها لهجوم قريب يتوقعُ محلّلون أن ينطلقَ في الذكرى الأولى للحرب. تريدُ كييف أن تستبقَ ما تُحضِّره كييف للربيع. الحديث يدور عن هجوم واسع مضاد ستشنّه أوكرانيا، وستُدخل في مرمى نيرانها شبه جزيرة القرم كورقة ضغط يمكن أن تجلبَ بوتين إلى طاولة المفاوضات. كلٌ منهما سيأتي إلى الطاولة في نهاية المطاف، لكن كل طرفٍ يسعى أولاً لتحقيق انتصارات يمكنها أن تُرجِّح كفته في التفاوض السياسي. حتى الساعة لا تسمح موازين القوى لأي من الطرفين بخطوة سياسية.
الكلمة الفصل لا تزال للميدان. يدفع الأوكرانيون ثمناً باهظاً، إنما يعرفون أن لا مفرَّ من ذلك في معركة الدفاع عن وطنهم. لا تبدو سمات التعب أو الإحباط على وجوههم، بل يتوقف ساكنون في أوكرانيا عند تلك الشجاعة التي يُبديها الأوكرانيون، وتلك الروح المعنوية والقتالية التي يتحلّون بها، وتلك العزيمة على قتال الروس بوصفهم غزاة. لا تبدو الصورة على الضفة الروسية وردية. هيبةُ الجيش الروسي قد ضُربت، حيث بدا غير جاهز للقتال. خسائره بالمعدات والأسلحة كبيرة، وأرقام قتلاه من الجنود لا تعكس الواقع، في وقت أظهرت التعبئة، التي أعلنها بوتين، عدم رغبة الشباب الروسي بالانخراط في هذه الحرب.
ما هو أكيد أن الحرب المفتوحة بين روسيا وأوكرانيا لسنوات وستكون حرب استنزاف طويلة . الغرب بات يقول إنها ستكون لسنوات طويلة وهو يتحضر لذلك. رهان بوتين على لي ذراع أوروبا من باب الطاقة جاء مخيباً. ورغم أن الدول الأوروبية تدفع ثمناً على حساب رفاهية شعوبها إلا أنها باتت تنظر إلى الأطماع الروسية وتراها خطراً عليها سواء بالنسبة للدول التي كانت منضوية في الكتلة الشرقية قبل انهيار الاتحاد السوفياتي او تلك التي كانت في الكتلة الغربية. قال بوتين إنه يريد إبعاد «الناتو» عن حدوده. بات اليوم أقرب من ذي قبل. لم يعد الأمر مقتصراً على مطالبة أوكرانيا بالانضمام إلى الأطلسي، فهذه فنلندا والسويد قد طلبتا أن تكونا جزءاَ من الحلف بعد الغزو الروسي. يكفي النظر إلى ميزانيات الدفاع في الدول الأوروبية كي يتيقن «سيد الكرملين» أنه أخطأ وأنه وقع في فخ نُصب له بإحكام في معركة تطويع روسيا.

رلى موفق