يتعامل السياسيون مع التعليم العالي، خصوصاً الجامعة اللبنانية، كساحة للخدمات. لا يكترثون للمستوى الأكاديمي ولجودته، طالما تؤمن لهم الجامعة مثلاً أو اي فرع من كلياتها مناطق نفوذ لإرضاء فئات وكسب أصوات ناخبين في الاستحقاقات النيابية أو البلدية، أو السياسية التي تحتاج إلى تعبئة واستنفار للجمهور في محطات ومنعطفات مفصلية. من هنا ندرك أسباب مطالبة السياسيين والأحزاب والطوائف أيضاً بإنشاء فروع للجامعة اللبنانية وشعب في مناطق بعيدة، والضغط على إدارتها للتعجيل في استصدار قرارات إنشائها، علماً أن الجامعة لا تستطيع وفق موازنتها الحالية وأوضاعها وظروفها أن تتوسع لتصبح جمهورية كليات وفروع، وهي لن تتمكن مركزياً من إدارة كليات وفروع وشعب واختصاصات بالعشرات موزعة على كل الأراضي اللبنانية. وسنسمع في وقت قريب دعوات لإلغاء مركزية الجامعة لمصلحة تقسيمها إلى جامعات لبنانية عدة تحكمها مرجعيات سياسية وطائفية وفقاً للهيمنات القائمة. ولعل المطالبة باستحداث فروع وشعب، على ما تقرر أخيراً في عكار والهرمل وبعلبك وراشيا وجبيل، سيفتح شهية الطوائف على المعاملة بالمثل، فسيضطر مجلس الجامعة إلى إرضاء الجميع. وقبل ذلك شهدنا مسألة شبيهة تتعلق بتفريغ الاساتذة المتعاقدين في الجامعة عام 2014. وقد بلغ عددهم 1219 أستاذاً، فيما كان العدد المقرر تفريغه لا يتجاوز الـ 360 استاذاً. لكن شهية السياسيين والطوائف رفعت العدد تدريجاً باستحضار أسماء لم تكن تعرف الجامعة قبلاً، ومنهم من كان يستعد لمناقشة أطروحة الدكتوراه، فامتلأ الملف سريعاً بالأسماء إرضاء للجميع كي يمر في مجلس الوزراء، لنكتشف حجم التدخل في شؤون الجامعة التي تئن تحت عجز مالي لا تستطيع معه الصرف على البحوث أو متابعة الملفات التي تسمح بتطوير الكليات والبرامج والمناهج، ليأتي البعض ويطالبها بفروع بالجملة، فتخضع إدارة الجامعة للضغوط ولا تنظر الى مستقبل هذه المؤسسة التي تحتاج الى الكثير من الدعم والرعاية والاحتضان.