17-05-2023 | 00:00 المصدر: “النهار”
“قبل أن أنسى”.
كتب #أنيس فريحة (1903-1993) في مؤلفه “#قبل أن أنسى“: “ولدت ونشأت في عائلة فقيرة مستورة. وكان والدي يعلم أولاد القرية. ومالت نفسي إلى التعليم. وأملت أن أصبح يوما معلما، وهكذا كان”.
أنيس فريحة اديب ومدرس وباحث في التراث اللبناني ودكتور في الفلسفة واللغات السامية. تميز بدراساته العلمية والأكاديمية. درّس اللغات السامية والحضارات القديمة في الجامعة الأميركية وكلية الإعلام في الجامعة اللبنانية. أتقن عددا من اللغات السامية كالسريانية والعربية والكنعانية والأوغاريتية. اهتم ببعض الجوانب من تاريخ لبنان وتراثه الشعبي ولهجاته وعادات القرى وتقاليدها وأمثالها وأسماء الأشهر والعدد والأيام إضافة إلى تبسيطه قواعد اللغة العربية والخط العربي.
ولد في رأس المتن من أسرة أرثوذكسية لكن أباه “أبو نجم” انضم إلى طائفة الفرندز البروتستانتية. تلقى علومه في مدرسة أوليفر والشويفات وسوق الغرب. قال له والده عندما قرر إكمال علومه العليا في الجامعة الأميركية: “كمّل والله المدبّر يا انيس”. تخرج من الجامعة بإجازة عام 1927. ثم نال شهادة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة شيكاغو. درس في جامعة توبنغن في ألمانيا على يد المستشرق آنو ليتمان (1875-1958) ثم عاد إلى شيكاغو ليحصل على دكتوراه في اللغات السامية. من ذكرياىه أنه عندما عاد كان يتحضر لإمتحان الدكتوراه في جامعة شيكاغو أن فسأله أستاذ العهد القديم عن مار أفرام السرياني وعلاقته بتأسيس الرهبنة وأعطاه بضعة أيام للإجابة. راجع كثيرا في هذا الموضوع ولم يستطع أن يكوّن جوابا حاسما. ذهب إلى الأستاذ وأجابه: “لا أعلم”. فسرّ الأستاذ في هذا الجواب وقال له: “أما الآن إذ أصبحت تعلم أنك لا تعلم فإني أجيزك”.
امتهن التدريس في الجامعة الأميركية في بيروت وفي جامعة فرانكفورت وفي جامعة كاليفورنيا. وعمل أستاذا زائرا في معهد الدراسات العليا التابع لجامعة الدول العربية وفي النجف الشريف وفي معهد الدراسات الشرقية والأفريقية في جامعة لندن.
يقول في كتابه “قبل أن أنسى”: “في السنة الأولى من اختباري في التعليم تعلمت أكثر مما علمت واستفدت أكثر مما أفدت. تعلمت ضبط النفس وعدم التسرع في إصدار الأحكام من النصوص العبرية التي أقرأها مع تلاميذي قصة داود النبي. ولم أبد حماسة فائقة للنبي داود. قلت انه اغتصب الملك اغتصابا، وألف جماعة (عصابة أو ميليشيا بلغة اليوم) من قطاع الطرق، وفرض خوة على الناس (على هذا المعيار يصبح عندنا آلاف الناس أنبياء) وأدهى من هذا كله رأى على سطح بيته إمرأة تستحم فقتل زوجها وتزوجها. ويظهر أن إصدار الحكم المتسرع على داود لم يرق لفتاة عراقية مسلمة مؤمنة وتعترف بداود نبيا من أنبياء الله. فشكتني إلى نيكولي العميد الصارم. وقالت لا يجوز أن يكون الأستاذ كافرا يتجنى على أنبياء الله. وفي اليوم التالي تسلمت وريقة عليها ما ترجمته “تفضل بمقابلة العميد”. كان لقاء جافا قلت في آخره “أليس الأستاذ حرا في إبداء آرائه”. قال: “شريطة أن لا تمس الشعور الديني لأحد من الناس”. وخرجت”.
كتب أنيس فريحة والف عددا كبيرا من المقالات والأبحاث وكتب في مواضيع مختلفة في اللغة والأدب والتراث. له محاضرات في اللهجات والأساليب ودراستها (1955) وكتابه الشهير “إسمع يا رضا” 1956 و”يسروا أساليب التعليم” 1956 و”إحيقار حكيم من الشرق الأدنى القديم” 1962 و”أثينا في عهد بركليس” 1966 و”معجم أسماء المدن والقرى اللبنانية وتفسير معانيها” 1972 و”معجم الألفاظ العامية” 1973 و”هذا أيسر- رسالة إلى وزير التربية شارل مالك” و”حضارة في طريق الزوال” و”القرية اللبنانية” و”نحو عربية ميسرة” و”معجم الأمثال اللبنانية الحديثة” و”في اللغة العربية ومشكلاتها” و”أسماء الأشهر العربية وتفسير معانيها” و”الخط العربي نشأته ومشكلاته ” و”الفكاهة عند العرب” و”سوانح من تحت الخروبة” و”النكتة اللبنانية تتمة لحضارة حلوة” و”دراسة للهجات دراسة علمية” و”تبسيط قواعد اللغة العربية” و”ملاحم أوغاريت” و”ملاحم وأساطير” و”قبل أن أنسى” وكان آخر إصدار له.
في السنوات الأخيرة من عمره شح بصره وكنت أراه يمشي في حرم الجامعة الأميركية ويجلس على المقعد الخشبي الأخضر غرب مبنى الكولدج هول ويديم النظر في جبل صنين. كان يرغب أن يمضي أيام شيخوخته في قريته رأس المتن لكنه اضطر في الحرب أن يبيع منزله وأن لا يكون مثواه تحت الصنوبرات قريبا من مرقد أمه وأبيه. أوصى بحرق جثمانه.
كان أنيس فريحة من القلة النادرة التي عملت لأجل لبنان الحضارة والثقافة والتراث والإنسان والقرية وبناء العلم والمعرفة بدأب وصوت وبأصالة قل نظيرها. تجلت عطاءات وإنجازات أنيس فريحة وأمثاله من رجال العلم والأدب والثقافة في تطوير المعرفة والثقافة وإفادة الباحثين.
أنيس فريحة كتبه تكرمه كل يوم وآلاف التلاميذ الذين درسوا على يده يذكرونه بالخير فمثله يعيش في ذاكرة الناس والوطن طويلا.