اخبار عاجلة
الرئيسية / مقالات / أنا مروّج شائعات يا معالي الوزير

أنا مروّج شائعات يا معالي الوزير

 

جهاد الزين
النهار
19092017

أظن، باختصار، أن الرئيس ميشال عون انزلق إلى هوة قد تصبح فخاً عندما أدلى بتصريح يطالب فيه القائلين بوجود فساد بإثبات الفساد في نوع من الاحتجاج على إطلاق اتهامات ضد وزراء ومسؤولين وهذا أدى إلى خطأ كبير ارتكبه “ميكانيكياً” وزير عدله الأستاذ الصديق سليم جريصاتي عندما وجه كتابه يوم الإثنين الماضي إلى النائب العام التمييزي سمير حمود يطالبه فيه باتخاذ إجراءات ضد مروجي الشائعات التي هي، بنظره، تعبير عن خطة مبرمجة لضرب الثقة بالبلد ومؤسساته ومقوماته.

في عقل الرئيس وتنفيذ الوزير لا شك مسألة أساسية هي أن كيل الرئيس طفح من حملة الاتهامات ضد رموز في التيار الوطني الحر.

النتائج كانت التالية لهذا التسرع “النفسي” الذي أدى إلى تسرع سياسي من حيث تعبيره القِيَمي في العمل العام.

أولاً: وضع تصريح الرئيس وكتاب الوزير رئيس الجمهورية في موقع الدفاع الفعلي عن كل الطبقة السياسية وليس فقط عن التيار الوطني الحر.

ثانيا: بهذا المعنى وضع التصريح والكتاب التيار الوطني الحر كجزء من هذه الطبقة السياسية يتولى صدارة حمايتها قانونيا وهذا يصلح ليكون بداية التحام كامل للعهد الجديد مع الوضع الحاكم بكامله مما يشكِّل إلغاء جديدا لما تبقى من تمايز العهد.

ثالثا: نقول ذلك لأن التجربة التاريخية تقول أن كل تماهٍ بين السياسي ومؤسسات السلطة هو إلغاء لهامش إصلاحي ما يمكن أن يمثله. لقد عبر التصريح والكتاب عن شيخوخة سياسية مبكرة للعهد، لا بسبب سن الرئيس الذي كان يحمل معه عند وصوله للرئاسة زخما سياسيا شاباً ولكن بسبب التماهي الكامل مع سلطة ومؤسسات مجربّة وعمليا ميؤوس من إصلاحها الأخلاقي والوظيفي.

 رابعاً: أريد أن أذكِّر مخامته والوزير الصديق أن بيانات التهديد بإحالة مطلقي الشائعات التي تهدد استقرار البلد والدولة وتحاول تقويضهما هي اللغة القانونية والسياسية التي تستخدمها أعتى الأنظمة العسكرية والحزبية الاستبدادية في العالم في كل المحطات التي تريد أن تمارس فيها انقضاضا جديدا على أي تنفّس ديموقراطي.

أنا متأكد أنه لا الرئيس ولا الوزير في هذا الوارد القمعي على أي مستوى فكري، ولكن أريد فقط أن أنبّه إلى أن لغة كتاب الوزير من حيث لم ينتبه هي لغة إرث طويل من الممارسة القانونية السياسية في العالم الثالث وفي العالم العربي.

كيف يقعان إذن بهذا المحظور لأن المسألة هي تحولهما البكر والسريع إلى واجهتين لكل الطبقة السياسية التي يعرفانها أكثر مني. وإذا كانت هناك مشكلة حرتقات،وهي موجودة، مع شرائح سياسية طائفية محترفة وزبائنية، وستظل موجودة، فهذه مشكلة التيار الوطني وليس حركة مكافحة الفساد.

قلت الأسبوع لشخصية فعالة في التيار الوطني الحر أن الإعلام لا يستطيع وحده أن يصنع صورة سيئة أو جيدة مهما كانت براعته. الرد الحقيقي على اتهامات الفساد هي في مصارحة الرأي العام بالحقائق. ليس بالنفي ولكن بإعلان الأسماء التي تقف وراء، أو تملك، الشركات موضع التشكيك حتى لو كان وراءها حليف أو صديق.

ومع كل تقديري للحيوية السياسية التي أطلقها العهد على مستوى موقع المسيحية السياسية اللبنانية في السلطة وعبرها في بلاد الاغتراب، وهذا كان مطلوبا لدى واسعي الأفق من الطوائف الأخرى وليس لدى ضيِّقيه، إلا أن مسألة الفساد مسألة تتخطى العهد ولا يستطيع أن يفعل أمامها شيئا سوى “التنظيف أمام داره” كما يُقال. كذلك لا يستطيع أن يفعل شيئا داخل الدويلات الطائفية الأخرى.

التصريح والكتاب هما بدء شيخوخة العهد وليس أي شيء آخر فخامة الرئيس أطال الله عمرك.

اضف رد