الرئيسية / home slide / أمين الجميل في «الرئاسة المقاوِمة ــ مذكرات»: مجزرة صبرا وشاتيلا حضّرها شارون وبيغن وحلفاؤهما اللبنانيون

أمين الجميل في «الرئاسة المقاوِمة ــ مذكرات»: مجزرة صبرا وشاتيلا حضّرها شارون وبيغن وحلفاؤهما اللبنانيون

سمير ناصيف
القدس العربي
25042021

ستشمل هذه المراجعة لكتاب «الرئاسة المقاومة، مذكرات» الذي صدرَ منذ بضعة أشهر وتردُ فيه مذكرات رئيس الجمهورية اللبناني الأسبق أمين الجميل، بعض الوقائع التي وردت في كتاب صدرَ منذ خمسة أعوام للصحافي اللبناني المخضرم سليم نصار بعنوان «خارج الموضوع».
نصار صحافي يملك خبرة طويلة في تحليل الشؤون اللبنانية الداخلية والخارجية وحرفية في معالجة قضايا لبنان والعالم العربي الحساسة والعلاقة مع أمريكا والغرب التي تشكل جزءاً أساسياً من كتاب الجميل.
هدف هذه المراجعة لكتاب الرئيس اللبناني الأسبق ليس تبييض صفحة أمين الجميل إزاء اتهامات وجهت إليه خلال رئاسته وبعدها وبينها قمع خصومه والاعتماد المفرط على قيادة الرئيس رونالد ريغان لأمريكا، ولا لإنكار توقيع الجميل على اتفاق 17 أيار (مايو) 1983 التطبيعي مع إسرائيل ثم التراجع عنه لاحقاً.
ترأس الجميل الجمهورية اللبنانية بين عامي 1982 و1988 فيما تولى ريغان المنصب الرئاسي في أمريكا بين عامي 1980 و1988.


كتاب سليم نصار يشمل مقابلة بينه وبين الرئيس الأمريكي الراحل ريتشارد نيكسون جرت في صيف عام 1983 في واشنطن شكلت وتشكل أهمية في تقييم سياسات الرؤساء الأمريكيين في لبنان وسوريا والشرق الأوسط. كما يضم انتقاداً لسياسات آرييل شارون ومناحيم بيغن في لبنان في مطلع ثمانينيات القرن الماضي.
يؤكد أمين الجميل وسليم نصار كل منهما في كتابه بأن بيغن هدد بشير الجميل بعد انتخابه رئيساً في صيف 1982 بان عليه توقيع اتفاقية سلام مع إسرائيل و»تنظيف» بيروت من سلطة «منظمة التحرير الفلسطينية» مباشرة بعد تسلمه الرئاسة وان بشير رفض تنفيذ هذه الاملاءات والطريقة التي استخدمها بيغن في توجيهها إليه مما ساهم في اغتياله بعد ثلاثة أسابيع على تسلمه الرئاسة.
ويقول أمين الجميل في كتاب مذكراته أنه تجنب الإبرام الكامل لاتفاق 17 أيار (مايو) 1983 لانه كان يدرك عدم مصداقية قادة إسرائيل بشأنه منذ البداية وان الاتفاق لم يكن في مصلحة لبنان وليس فقط لكونه تعرض لضغوط من القيادة السورية للرئيس الراحل حافظ الأسد وحلفائها في لبنان. ويعترف بانه بادر إلى توقيع الاتفاق بعدما أقصى الرئيس رونالد ريغان وزير خارجيته المتواطئ مع شارون الكسندر هيغ وعين مكانه جورج شولتز وفريق عمله الأكثر تجاوباً معه. كما يشير أمين الجميل في كتابه إلى تشكيكه باستمرار نفوذ هنري كيسنجر (وزير الخارجية في عهدي ريتشارد نيكسون وجيرالد فورد) الذي كان قد هندس اتفاقاً لتقسيم لبنان إلى منطقتي نفوذ احداهما إسرائيلية في الجنوب والأخرى سورية في البقاع والشمال ومناطق أخرى. ويؤكد ان تأثير كيسنجر ومشروعه كان بالتحديد على الكسندر هيغ وروبرت ماكفارلاند المسؤول في الأمن القومي الذي نظم عملية الإفراج عن الرهائن الأمريكيين في لبنان في الثمانينيات، تلك العملية التي دفعت ريغان إلى تغيير سياسته الداعمة لأمين الجميل.
وتجدر الإشارة إلى ان كريم بقرادوني، رئيس حزب الكتائب السابق اعترف مؤخراً في برنامج وثائقي في قناة «الميادين» بان بشير الجميل وبعد اختلافه مع بيغن وشارون حول عملية غزو بيروت الغربية و»تنظيفها» السريع من مقاتلي «منظمة التحرير الفلسطينية» وحلفائهم حاول الاتصال (عبره شخصيا) بالقيادة السورية لفتح نافذة معها ولكن نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام قال لبقرادوني: «لننتظر حتى يتثبت بشير في منصبه». وقد اغتيل بشير الجميل قبل أن يفعل ذلك. أي أن جهات في القيادة السورية السابقة (في عهد حافظ الأسد) كانت ربما متناغمة مع مشروع كيسنجر التقاسمي والتقسيمي للبنان، إستناداً إلى ما قاله بقرادوني لـ»الميادين».
يصف أمين الجميل عملية اغتيال شقيقه بشير في كتاب مذكراته بانها كانت «عملية غير نظيفة» تبِعت المواجهة بين بشير ورئيس الحكومة الإسرائيلية مناحيم بيغن لدى اجتماعهما في مستعمرة نهاريا مباشرة بعد انتخاب بشير رئيساً حيث فرض عليه بيغن الإعلان عن إتفاق سلام مع إسرائيل قبل 15 أيلول (سبتمبر) 1982 فرفض بشير هذا الطرح وانزعج من الطريقة الفجة التهديدية التي تم التعامل فيها معه، وقرر عدم استمرار التفاوض مع الإسرائيليين (وحسب بقرادوني، شاء فتح قناة حوار مع سوريا). واغتيل بشير الجميل في 14 أيلول (سبتمبر) 1982 أي قبل يوم واحد من انتهاء المهلة التي حددها بيغن. ويلوم أمين الجميل المسؤولين في أجهزة الاستخبارات التابعة للقوات اللبنانية (بقيادة ايلي حبيقة) التي كانت مسؤولة عن حماية شقيقه لتقاعسها في التدقيق بهوية وخلفيات الشخص الذي اتُهم وأدين باغتياله برغم أنها كانت تعرف بانه ينتمي إلى «الحزب السوري القومي» وكانت قد وصلتها تنبيهات من أقرباء له إزاء انتماءاته، بيد انها سمحت له أكثر من مرة بالتردد على البناية التي تم فيها التفجير الذي أودى بحياة بشير علماً بان قائد جهاز الاستخبارات القواتي آنذاك بدّل تحالفاته من حليف لإسرائيل إلى حليف (لاحقاً) لسوريا، وعندما قرر كشف حقيقة انتماءاته اغتيل بدوره. كمال جنبلاط، قائد «الحركة الوطنية اللبنانية، اغتيل في آذار (مارس) 1977 لمعارضته خطة كيسنجر لتقسيم لبنان طائفياً وحسب المصالح الإقليمية ونالت نفس المصير شخصيات لبنانية وعربية سياسية ودينية بارزة في البلد.
ويوضح أمين الجميل في كتاب مذكراته انه كان على إتصال مباشر مع القائد الفلسطيني الراحل صلاح خلف (أبو اياد) لإنقاذ العدد الأكبر الذي كان يمكن إنقاذه من المحاصرين الفلسطينيين في مخيم تل الزعتر في منطقة المكلّس (المتن الشمالي) (قبل ان يصبح رئيساً) وهدفه كان تجاوز المجازر. ويؤكد بانه عقد اجتماعات مع صلاح خلف (أبو اياد) وعلي حسن سلامة (أبو حسن) في منزل الأخير بحضور شخصيات لبنانية أخرى لإنقاذ جبل لبنان من المعارك الطاحنة الناشبة فيه في منتصف أواخر السبعينيات، والتي نشبت بين قوات الميليشيات المسيحية و»قوات الردع العربية» وحلفائها هناك.
ويؤكد الجميل انه زار الرئيس ياسر عرفات شخصياً في مقره في بيروت الغربية عام 1982 وبحث معه الخيارات المتاحة بعد اغتيال شقيقه بشير، وبعد مجزرة صبرا وشاتيلا (ص 70).
ويتساءل لماذا أُبقي المتهم باغتيال بشير معتقلاً لدى استخبارات «القوات اللبنانية» لثمانية أشهر قبل تسليمه للسلطات اللبنانية للتحقيق معه؟ بحيث سُلمَ للتحقيق قبل أسبوعين فقط من تاريخ توقيع اتفاق 17 أيار (مايو) 1983 الذي فُرض على لبنان التوقيع عليه (حسب قول أمين الجميل) والذي قرر هو بنفسه التراجع عنه لاحقاً (ص 74).
ويعتبر أمين الجميل ان مجزرة صبرا وشاتيلا كانت محضرة مسبقاً من جانب شارون وبيغن واتيان وحلفائهم اللبنانيين وأن هدفها كان «التطهير والتنظيف الكامل للوجود العسكري لـ(منظمة التحرير الفلسطينية) في لبنان، وأن القيادات العسكرية الإسرائيلية (رئيس الأركان رافائيل ايثان وبأمر من شارون) وعملائها المباشرين أطلقوا شرارة الاغتيالات في المخيمين، قبل دخول عناصر لبنانية عميلة لهم، واكمال المجزرة» (ص 76 و77).
كما ان أمين الجميل يشير إلى ان قيادة «قوات اللبنانية» (عندما كان بشير حياً) اجتمعت في منزل مدير المخابرات اللبنانية آنذاك ورفضت فكرة اقتحام المخيمات الفلسطينية فيما كان ايتان وشارون سلحا مجموعتهما ودفعاها لدخول المخيمين وتنفيذ الجرائم هناك، التي رفض بشير (برأي أمين) تنفيذها وهو حي، فنفذوها بعد مقتله وألبسوها للكتائب» (ص 79).
ويؤكد أمين الجميل انه تحفظ في إبرام اتفاق 17 أيار (مايو) 1983 لانه أدرك أن إسرائيل تراوغ ولن تنفذه بالفعل ولكونها أضافت بنوداً لاحقة عليه كاصرارها على إبقاء سيطرتها على حزام أمني في جنوب لبنان بعد انسحابها، وتحديد اللواء في الجيش اللبناني الذي سيسيطر على تلك المنطقة وموافقتها على هوية قائد هذا اللواء (اختير لاحقاً الرائد سعد الحداد ثم تبعه اللواء أنطوان لحد). كما فرضت إسرائيل شروطاً تعجيزية أخرى دفعته كرئيس جمهورية إلى رفض إبرام الاتفاق والامتناع عن نشره في الجريدة الرسمية ثم اتخذ قراره لاحقاً بالتراجع عنه.
وقد فرضت إسرائيل (حسب قول أمين الجميل) في يوم توقيع الاتفاق في 17 أيار (مايو) 1983 شروطاً إضافية عليه (ص 135) وهي لم تكن جدية إزاء ذلك الاتفاق (حسب قوله) وأرادت التوقيع عليه لإرضاء الأمريكيين بعدما تجاوز شارون وهيغ ما سمحت به الإدارة الأمريكية (حسب رأي الجميل). اتفاق 17 أيار (مايو) 1983، ولدَ ميتاً (برأي الجميل) وقد استُخدم من قبل إسرائيل وأمريكا ومشروعهما لاطلاق رصاصة الرحمة ضد سيادة لبنان، ولإطلاق عمليات لاضعاف النظام اللبناني في حرب الجبل وحروب الميليشيات ضد السلطة في مطلع عام 1984.
ويقول الجميل في الكتاب بانه طلب موعداً للاجتماع بالرئيس ريغان لتحريك الضمانات التي وعدته الرئاسة الأمريكية بها لتأكيد سيادة لبنان، ولكن بدا له بان «منظومة الخطوط الحمر» التي أرساها هنري كسينجر عام 1976 ما زالت فاعلة وهي التي تضع لبنان بين فكي كماشة إسرائيلية ـ سورية. ويضيف «تذكرت قول ريتشارد نيكسون في مذكراته حول مراهنة قادة العالم في الاعتماد على أمريكا ولكننا نحن الأمريكيين وللأسف نهرب خلال الأزمات (ص 138)».
وهنا من المفيد إدراج ما يقوله سليم نصار في كتابه «خارج الموضوع» استناداً إلى لقائه مع الرئيس ريتشارد نيكسون بتاريخ 16 حزيران (يونيو) 1982 في مكتب نيكسون في واشنطن.
يقول نصار: «ان نيكسون اختار موعد اللقاء معنا في 16 حزيران (يونيو) أي تاريخ انفجار فضيحة ووترغيت بعدما قرر مواجهة الرأي العام من جديد، فبعدما سألناه رأيه في مستقبل الحرب اللبنانية، تأخر في إيجاد الجواب، ثم قال بلهجة ملؤها الحسرة: لبنان هذا البلد العظيم، ان مأساته جريمة ضد الإنسانية جمعاء، لقد زرت لبنان والتقيت رئيسه الراحل فؤاد شهاب وتعرفت إلى العديد من أهله». ثم يضيف: «حدث أثناء المقابلة ان سألته عن الدور الحقيقي الذي أداه وزير خارجيته كيسنجر في سوريا، وعلى الفور طلب من زميل لي رافقني في اللقاء إقفال آلة التسجيل وكأنه يتذكر المؤامرة التي حاكها كيسنجر من أجل إجهاض مساعيه مع الرئيس حافظ الأسد في لقائهما في 16 حزيران (يونيو) 1974 عندما زار نيكسون دمشق وكان يرافقه كيسنجر واستقبلهما الرئيس حافظ الأسد في مكتبه وشرح لهما قبوله القرارين 242 و238 واستعداده للسلام مع إسرائيل على أساسهما، أي الانسحاب الإسرائيلي إلى حدود ما قبل حزيران (يونيو) 1967».
ويضيف نصار استناداً إلى أقوال نيكسون له: «آنذاك شدد حافظ الأسد على ضرورة ان تعيد إسرائيل إلى الفلسطينيين حقوقهم بحسب قرارات الأمم المتحدة، وعندما حاول نيكسون استئناف الحديث وجدَ نفسه يتعرض لتشويش من جانب كيسنجر الذي قال له انه من الأفضل تأجيل البحث في هذه القضية حتى عودتهما إلى واشنطن». ولكن (حسب نصار) «العودة إلى واشنطن شهدت نهاية نيكسون كرئيس للجمهورية بسبب فضيحة ووترغيت، وتبين بعد 40 عاما على الفضيحة أن الموظف المسؤول عن إفشاء أسرار فضيحة ووترغيت كان خيطاً في شبكة عنكبوتية واسعة ضمت الجاسوس الإسرائيلي ـ الأمريكي جوناثان بولارد (الذي أفرج عنه دونالد ترامب) ومتعاونين معه في داخل الإدارة الأمريكية يعملون لمصلحة إسرائيل» (ص 69).
وفي الفصل عن شارون في كتاب نصار، يؤكد الكاتب إستناداً إلى معلومات من مرافقي بشير الجميل في اجتماعه مع بيغن وشارون في مستعمرة نهاريا بعد انتخابه رئيساً في آب (أغسطس) 1982 ان بشير حاول معارضة إملاءات بيغن بضرورة توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل «بدبلوماسية» ولكن بيغن غادر الاجتماع وعاملَ بشير بفظاظة، وعندما لم ينفذ بشير تهديدات بيغن (يقول نصار) نفذّت مجموعة مؤيدة لـ»الحزب القومي السوري» عملية اغتياله برغم ان رئيس الحزب القومي إنعام رعد ومن موقعه في لبنان أنكرَ صدور قرار حزبي بهذا الخصوص (ص 164).
ويتكهن نصار بإمكان ان تكون واشنطن وإسرائيل سحبتا الحراسة التي أمنتاها لبشير معتبرتين بان التضحية به أفضل من خوض حرب بسببه ضد الاتحاد السوفييتي الداعم لسوريا ولدورها في لبنان آنذاك.
ويتساءل هل يندرج ذلك في مبدأ «لعبة الأمم» كما رآها مايلز كوبلند؟
أمين الجميل:
«الرئاسة المقاوِمة ــ مذكرات»
منشورات بيت المستقبل، بيروت 2020
425 صفحة.

سمير ناصيف