الرئيسية / مقالات / أميركا والسعودية وإسرائيل مع انهيار لبنان؟ لماذا وأين فرنسا؟

أميركا والسعودية وإسرائيل مع انهيار لبنان؟ لماذا وأين فرنسا؟

“الشعوب” اللبنانية منقسمة سياسةً وولاءً واستراتيجيا بين الجمهورية الاسلامية الإيرانية وحليفها الأول بل ذراعها الأقوى في المنطقة “حزب الله” من جهة وبين فرنسا والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية من جهة أخرى. يراهن كل من القسمين على الحصول من حليفه الاقليمي – الدولي على ما يمكّنه من الصمود في المعركة الدائرة حالياً للسيطرة على لبنان وحكمه، وتالياً لإنقاذه من الانهيار القاسي الذي عطّل الدولة وغيّبها وشلّ المؤسسات على تنوّعها حتى التي لا يزال هناك روحٌ في بعضها. طبعاً الانقسام ليس جديداً. فهو قديم وقبل تأسيس لبنان ثم استقلال دولته. وجذوره دينية – طائفية – مذهبية. ويتجدّد كلما نشب صراع في المنطقة بين الدول العظمى في العالم (اتحاد سوفياتي، أميركا)، اذ تنضم “الشعوب” المنقسمة الى واحدة منها ليس اقتناعاً بإيديولوجيتها بل رغبة في الحصول على الدعم الذي يحفظها ويحميها ويبقي دورها، إذا لم يكن من شأنه تغليب واحد منها على الآخر. والأمر الأخير هذا يبدو الهدف الأول عند المتصارعين في لبنان. كيف يمكن إقناع “الشعوب” اللبنانية بالتعقّل والحكمة، كما بتفضيل الحوار سبيلاً الى حلّ خلافاتها، وذلك بإقامة دولة المواطنة التي يشعر فيها كل لبناني بانتمائه اليها وولائه لها لأنها تؤمن له المساواة والعدالة والنزاهة والحرية والديموقراطية والاقتصاد الحر لكن غير المتوحّش؟ الوسيلة الوحيدة هي اطلاعهم في استمرار على المواقف الفعلية لاستراتيجيات الدول العظمى والكبرى في العالم كما الدول الاقليمية الكبرى، وأهدافها الفعلية البعيدة غالب الأحيان عن مصالحهم الوطنية وحتى الطائفية والمذهبية والسعي الى إقناعهم بذلك. إن هذا الأمر يتوقّف على صدقية ناشر المواقف والاستراتيجيات والأهداف المشار إليها وعلى الثقة بنزاهته. أما النجاح فيه فأمرٌ صعب جداً ويحتاج الى وقت، وهذا استنتاج ناتج من تجارب سابقة تكرّرت كثيراً على مدى العقود الماضية. إلا أن ذلك يجب أن لا يدفع الى اليأس.

انطلاقاً من ذلك ينشر “الموقف هذا النهار” اليوم معلومات جدّية وواقعية عن مواقف الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة العربية السعودية من الأزمة والانهيار الحاليين في لبنان، وردته من لبناني في الخارج يمتلك قدرة على الوصول الى عدد من صنّاع القرار في واشنطن وباريس وربما غيرهما. ماذا في المعلومات المُشار إليها؟

فيها أولاً أن المعركة الدائرة من أجل لبنان ساحتها العاصمتان الأميركية والفرنسية. فالأولى ليست لديها سياسة صلبة ومتماسكة تجاه لبنان ولا مصلحة لها في وضع سياسة كهذه. فهي تتخذ مواقفها وتحدّد دورها من باريس ومن العاصمة السعودية الرياض، وتسمح في الوقت نفسه لإسرائيل بامتلاك حق النقض (الفيتو) وممارسته في الشأن اللبناني. باريس تهتم بلبنان لكونه ديموقراطية ليبيرالية، لكنها لا تمتلك السلطة والقوة والنفوذ لرسم الأحداث أو لجعلها تتخّذ أشكالاً بل هياكل معينة تمكّنها من مساعدته. فسلطتها مع القوة والنفوذ تكمن في قدرتها على التأثير في السياسة الأميركية. والرياض مع إسرائيل تريدان ترك لبنان ينهار، لأن ذلك سيكون ضربة أساسية وجوهرية لإيران و”حزب الله”، كما قد يقود الأولى الى الحد من طموحاتها ومن سعيها الدائم والكبير لإقامة امبراطوريتها في الشرق الأوسط التي يسميها البعض دولة الخلافة الاسلامية الشيعية.

Volume 0% 

وفيها ثانياً تريد باريس أن تمد لبنان بـ”حبل السلامة” كي يعود من “غيبوبته” الى الحياة من جديد، أو بالأحرى كي تعطيه المزيد من الوقت من أجل تحقيق هذا الهدف وما يحدوها الى ذلك أملٌ في أن الديناميّات الاقليمية المستقبلية قد تتغيّر وتمكّن لبنان من التخلّص من قبضة إيران. وتؤمن باريس بأن السماح بانهيار لبنان سيضعف كثيراً “حزب الله”، كما سيُضعف المؤسسات الحكومية والمدنية. وكون “الحزب” الأكثر تنظيماً في لبنان سيمكّنه من النهوض وإن أقل قوةٍ من السابق ومن البقاء الفريق المسيطر بل المهيمن في البلاد. إضافة الى ذلك كلّه فإن لبنان المنهار أو البادئ في الانهيار لا بد أن يسرّع هجرة الأكثر علماً وثقافة وليبيرالية من أبنائه بشرائحهم الاجتماعية كافةً. من شأن ذلك التسبّب لاحقاً بانهيار البنى الديموغرافية والاجتماعية والدفع في اتجاه وضعٍ لبناني أكثر راديكالية من الوضع الحالي.

وفي المعلومات ثالثاً أن وجهة نظر الرياض في هذا الوقت بالذات تتغلّب في أميركا التي لا تمتلك أو لم تضع أي خطة لإنقاذ لبنان. أما بالنسبة الى الأفراد الذين يتمنّون مساعدة لبنان بجهودهم ومواردهم فإن القيام بهذا الأمر في هذه المرحلة سيكون غير ذي جدوى. والمساعدة التي يكون لها المعنى الأكبر الآن يمكن أن تكون إنسانية. لكن هناك الآن بصيص نور ضعيف هو السياسة الأميركية الحالية تجاه إيران. فهي جيّدة حالياً وفاعلة ومطبّقة (ضغوط ضخمة وعقوبات…). وقد تسبّبت للإيرانيين بضيق وحرمان هما الأكبر منذ نجاح الثورة الاسلامية في هذه الدولة عام 1979. وليست النية من الضغط المُشار إليه تغيير النظام الإسلامي فيها، بل دفعه الى حالة غير ثابتة وغير مستقرة كالحالة اليوم تجعله مضطراً الى الاختيار بين أمرين. إما بقاؤه واستمراره وإما استمرار عمله لإقامة الامبراطورية الاسلامية. وإذا كانت نتيجة الضغط في ظروف كالمُشار إليها اختيار بقاء النظام، وربما يكون ذلك مرجحاً، فإنه سيكون عاملاً يغيّر اللعبة في لبنان.

sarkis.naoum@annahar.com.lb