أتحدث هنا عن ذلك الإكزودس بل الطوفان الذي حوّلته العولمة إلى ظاهرة منزلية في كل مكان. في أميركا يكاد يوحي الرئيس ترامب أن هناك مهاجرا غير شرعي في غرفة نوم كل أميركي أو أميركية! والعائلة الأميركية هي أصلا عائلة مهاجرين قدماء. أميركا حيث من الأكيد وجود 11 مليون مهاجر غير شرعي أي بلا أوراق قانونية. مع أن هناك خلافا تقليديا بين الاقتصاديين الأميركيين حول الدور الاقتصادي، للمهاجرين غير الشرعيين، وكثيرون من الكبار بينهم يعتبرونهم أحد مصادر قوة الاقتصاد الأميركي. ومن الناحية الأمنية، التي هي مصدر تخوف وتخويف، يقول بول كروغمان، وهو معلِّق اقتصادي سياسي وحائز جائزة نوبل في الاقتصاد، في مقاله الأخير في النيوورك تايمز (21-6-2018) إن مستويات الجريمة في مدينة نيويورك هبطت إلى أدنى مستوياتها منذ الخمسينات مع أنها المدينة التي يشكل المولودون الأجانب في الخارج ثلث سكانها ومن ضمنهم ربما حوالى مليون من دون أوراق شرعية.
أما لبنان فهناك أعجوبة جديدة حاصلة ومستمرة فيه وهي وجود نصف عدد سكانه من النازحين الجدد والقدماء لا نعرف إذا كانوا عبئاً على اقتصاده المنهوب أصلاً من طبقة سياسية وقحة أم فرصة لديناميكية مداخيل وإنفاق وتخفيض أجور تضخّنا بموارد كبيرة، ناهيك عن المداخيل المتشعبة من الأنشطة غير الشرعية المزدهرة؟ أمّا أنهم عبء على بنية خدماتنا التحتية فهذا لا شك فيه لأننا نحن اللبنانيّين المقيمين نشكل عبئا على بنية (لا) خدماتنا الصحية والمائية والكهربائية والنفاياتية بفضل إدارة سياسية فاشلة تزداد “شعبيةً”، صدِّقْ أو لا تصدّق، وعليك أن تصدّق، كلما ازدادت فشلاً وفضائح.
البعض داخل حزب ميركل يذهب بحسب تقرير في “دير شبيغل” إلى أن أيام المستشارة باتت معدودة في الحكم بعدما انتقل (أو انفجر) الخلاف على السياسة المفترض اتباعها حيال اللاجئين بينها وبين وزير الداخلية في الحكومة الجديدة رئيس الحزب البافاري الشقيق للديمقراطيين المسيحيين الذي صرّح أن “الإسلام لا ينتمي إلى ألمانيا” متبنيا الشعار الذي أطلقه الحزب اليميني المعادي للمهاجرين خلال الحملة الانتخابية والموجود اليوم في البرلمان.
المستشارة التي تريد حلاًّ أوروبيا لا ألمانيّاً لمسألة اللاجئين، جاءت إلى الأردن ولبنان بلدي الهشاشة الديموغرافية المصدِّرَيْن المحتمَلَيْن لمزيد من اللاجئين إلى أوروبا، كأن روما الحديثة اكتشفت سوريا “الإقليم الروماني” القديم لا على ديموغرافيتها فقط بل على هويتها أيضا. مع ذلك من يستطيع أن يفسِّر لماذا تُصرُّ ألمانيا وفرنسا على سياسة تطويل بل تمديد للحرب السورية بعد كل هذه المخاطر المحقّقة على المشروع الأوروبي نفسه؟
حدود الشرق الأوسط بصورة خاصة كلها مضطربة وبعضها مترنح ما عدا الحدود الأكثر اصطناعا فيها وهي حدود إسرائيل. كل ما يحيط بإسرائيل ضعيف إلا إسرائيل الدولة المتقدمة اقتصاديا وعسكريا.
لبنان الذي لا زال يدفع ثمن هذه اللعنة لم يعد وحيدا في الخسارة التي تنتشر في كل الشرق الأوسط. وبالمعنى العميق لم يكن يوما وحيدا في تلقي النتائج السلبية، وأقصى ما يستطيع أن يفعله لبنان هو السعي لأكبر توافق داخلي ممكن على السياسة حيال النازحين، إنما شرط ذلك وقف الإرهاب الممارَس على أي نقاش صريح وعميق حول الموضوع بما فيه الضجة المبالغ بها ضد لهجة الناقدين للسياسة الدولية حيال النزوح. وهو نقد للإنصاف، يحمل قدرا من الصراحة والمنطقية يجب تسجيلهما.
السؤال دائما، أحد الأسئلة، أكانت الدولة كبيرة أو صغيرة:
هل المجتمع أم الدولة هو أو هي المهتزّة؟ مع كل الفوارق بين الحالتين، الدولة الكبيرة والدولة الصغيرة، في نمط المعالجة والأهم في القدرة عليها؟
وفي حالة لبنان الخاصة:
هل المجتمع أم الدولة هو أو هي المختَرَقة؟ في نظامنا السياسي الاختراق جَماعي وليس فرديا. بنيوي وليس انتقائياً.
jihad.elzein@annahar.com.lb
Twitter: @ j_elzein