راشد فايد
النهار
26092017
ولوَلت ايران مدعية الخوف على العراق من الاحتلال الاميركي، ليصحو العالم عليها وقد هيمنت عليه. اعطت الجميع درساً في الدهاء: كيف تصوّب على هدف، وتردي غيره.
لم يخرج المشهد اللبناني عن هذه الملامح. حمل الصوت الايراني فيه لهجة الحرص على وحدة الصف، لكن الخطاب السياسي الذي يبدأ بالبسملة والحمدلله والتكبير، وذكر آل البيت، لم يكن ليشي بغير الفئوية، وحين يجذب طرف زاوية غطاء طاولة الاجتماع الوطني، يفرض على الآخرين، وبطريقة آلية، جذب الأطراف الأخرى، فكيف الحال وقد تمكن الطرف الأول من فرض السلاح على السلطة الشرعية، ومن تأطير جزء من المجتمع بحركة اقتصادية – ديموغرافية، ووعاء ثقافي – ديني، وشبكة تعليم ممنهجة؟
تنامى التحاقد المذهبي تحت غطاء التحذير من المذهبية، وشب، أولا، في صفوف أصحاب التحذير وبيئتهم الحاضنة، وغزا “نقضاءهم” على طاولة الاجتماع الوطني، فاعاد المسيحيين الى التداول في الفيديرالية، كمهرب من عودة “الاحباط”، وادخل عند المسلمين السنة هاجس الغبن، الجديد عليهم، فصارت عطلة يوم الجمعة قضية كرامة، وتعظيم المناسبات الدينية، خطوة لتأكيد الدور والوجود، ولارتداء ثوب الحرمان، الذي كسا الطائفة الشيعية في فترة سابقة. وبدل ان يخطو لبنان، قدماً، في اتجاه دولة المواطنين، يجدّ على درب التنازع الطائفي، وتتقدم الهويات الادنى على الهوية الوطنية.
خاف اللبنانيون من ذيول تأجيج المذهبية في العراق، التي توجها تشكيل “الحشد الشعبي” بإحتضان ايراني، كما استهولوا تطييف الصراع في سوريا بالدعم الايراني للنظام، لكنهم، واقعياً، يسيرون على الدرب نفسه، فلبنان ليس خارج اللوحة الإقليمية، لكن بهيمنة فائض السلاح، وليس بحضوره الملموس. والخلاصة أفدح: كثيرون يرفضون المذهبية والطائفية ويوغلون فيها، في الآن نفسه، بلا وعي. والنتيجة اننا نهوي في مصيدة الهيمنة الايرانية، بدل ان نتصدى لها بالإصرار على سقف الدولة.
نجح الحزب، ووراءه طهران، في جر الجميع الى مزيد من التطيف، والتسابق الطائفي، ويتناسل من ذلك ان الطائفة الواحدة تشهد التشاوف المناطقي، وصارت “المبارزة” مزدوجة: مع الطوائف الاخرى، وبين أهل الطائفة نفسها بإسم حقوق المناطق. المواطَنة إلى الوراء، والهويات الأدنى إلى الأمام.