11 نيسان 2017
النهار
امتزجت دموع الحزن والألم بمشاعر الغضب العارم مع تدفق أقباط أمس لتسلم جثامين ذويهم الذين قتلوا في تفجيرين استهدفا كنيستين في مصر الاحد، وسط شعور بالحنق حيال الدولة التي يعتقدون أنها لا توفر لهم الحماية.
قتل 44 شخصاً وأصيب عشرات آخرون في تفجيري أحد الشعانين الذي يمثل احتفالاً في مستهل أسبوع الآلام الذي ينتهي بعيد القيامة. وفي مشرحة المستشفى الجامعي بطنطا حاول أقباط ينهشهم القلق واللوعة الدخول للبحث عن ذويهم. لكن قوات الأمن منعتهم تفادياً للتكدس مما فجر مشاعر الغضب بين الحشد الكبير.
وصرخت امرأة كانت تبحث عن أحد أقاربها: “ليه بتحاولوا تمنعونا دلوقتي؟ كنتوا فين لما ده حصل؟” وبدا البعض في حال صدمة تامة وقد اكتست وجوههم بالذهول بينما انهمرت دموع آخرين وعلا نحيب النساء وصراخهن. وأخفى رجل في منتصف العمر وجهه بيديه وهو يبكي لدى خروجه من المشرحة بعد التعرف على جثة أخيه وتعالى صراخه بينما حاول أفراد أسرته تهدئته.
وبعد ساعات من الهجوم كان كيرلس بهيج وأقباط آخرون يحفرون القبور في فناء بكنيسة مار جرجس بمدينة طنطا حيث حصل التفجير الأول الذي أسفر عن مقتل 27 شخصاً وإصابة نحو 80. وعرض بهيج صوراً على هاتفه المحمول للهجوم وظهرت فيها أشلاء بشرية ودماء وزجاج متناثر على أرضية الكنيسة في أحد أقدس الأيام بالنسبة الى المسيحيين وقال: “يوم زي ده المفروض عيد مينفعش ان يتنكد علينا”. وأضاف: “من دلوقتي احنا هنحمي كنيستنا. احنا هنعتمد على نفسنا عشان اللي بيحصل دا كتير. مش مقبول”.
سفك الدماء لأسباب طائفية
ويمثل الأقباط نحو عشرة في المئة من عدد السكان في مصر البالغ 92 مليون نسمة وهم أكبر أقلية مسيحية في الشرق الأوسط. وعلى رغم أن المسيحيين يعيشون في مصر منذ العهد الروماني، فإنهم يشعرون بأنهم منبوذون على نحو متزايد وتستهدفهم هجمات بعضها لتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) الذي أعلن مسؤوليته عن تفجيري الاحد. وبعد ساعات من التفجير في طنطا، سجل التفجير الثاني عند مدخل الكاتدرائية المرقسية في مدينة الإسكندرية المقر التاريخي لبطريرك الأقباط مما أسفر عن مقتل 17 شخصاً بينهم سبعة من أفراد الشرطة وإصابة 48 آخرين.
وقالت وزارة الداخلية إن بطريرك الاقباط الارثوذكس والكرازة المرقسية في مصر الأنبا تواضروس الثاني كان يرأس صلاة أحد السعف في الكنيسة وقت الانفجار لكنه لم يصب بسوء.
ويقاتل التنظيم المتشدد أفراد الشرطة والجيش في شبه جزيرة سيناء منذ وقت طويل، لكن تصعيد هجومه على المدنيين المسيحيين في وادي النيل بمصر قد يحول العنف الإقليمي إلى صراع طائفي أكبر. وتوعد “داعش” بشن مزيد من الهجمات وتباهى بمقتل 80 شخصاً في ثلاثة تفجيرات نفذها منذ كانون الأول واستهدفت كنائس. ووعد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بحماية الأقلية المسيحية في إطار حملة على التشدد. لكن أقباطاً في طنطا قالوا إن الأمن كان شبه غائب الأحد على رغم تحذيرات متكررة في الأسابيع الأخيرة. وأبلغ مسؤول كبير في الشرطة “رويترز” أنه عثر على قنبلة وفككت قرب الكنيسة في طنطا قبل نحو أسبوع.
وقالت أميرة ماهر البالغة من العمر 38 سنة بينما كانت في مستشفى قريب تنتظر شقيقها المصاب: “ده المفروض يكون إنذار أو تنبيه ان ممكن المكان ده يكون مستهدف… بالذات النهارده أحد الخوص (الشعانين)… على مدى العام كله ده أكبر تجمع للناس. أنا مش عارفة ازاي ده حصل”. وعبر أقباط تجولوا داخل الكنيسة المتفحمة من الداخل في محاولة لاستيعاب فداحة الهجوم عن استيائهم مما وصفوه بأنه تراخي الأمن. ولاحظ القمص صليب توفيق كبيش في طنطا ان الشعور السائد بين ذوي الضحايا ربما كان عدم التصديق. وفيما ترددت في الخارج أصوات سيارات إسعاف تنقل الجرحى ، قال كبيش :”لم نتوقع أن يقدم أشخاص يعيشون معنا في نفس البلد ونبادلهم الحب والصداقة ونعرفهم على مثل هذا العمل”.
البابا فرنسيس
وعلى رغم التفجيرين، أبقى البابا فرنسيس زيارته المقررة لمصر اواخر نيسان الجاري. وصرح المسؤول الثالث في الفاتيكان المونسنيور انجيلو بيتشيو في مقابلة مع صحيفة “كورييري ديلا سيرا”: “لا شك في ان الحبر الأعظم سيبقي فكرته الذهاب الى مصر” في 28 نيسان و29 منه.
وفي ما يتعلق بزيارة ستجري تحت شعار “بابا السلام في مصر السلام”، وقال المونسنيور بيتشيو إن “ما حصل يتسبب بالفوضى وألم كبيرين، لكن ذلك لا يمكن أن يمنع حصول مهمة البابا من أجل السلام”.
واعتبر المونسنيور بيتشيو الذي سيزور مصر ايضاً في نهاية نيسان، ان الاعتداءين يشكلان “هجوماً على الحوار، على السلام” و”رسالة غير مباشرة أيضاً الى من يحكم البلاد، وضد الاقلية المسيحية التي تمتعت الى حد ما بمزيد من الحرية في الفترة الاخيرة”. وتعليقاً على المخاطر على سلامة البابا فيما ستطبق مصر حال الطوارئ، قال المونسنيور بيتشيو إن “مصر أكدت لنا ان كل شيء سيجري على ما يرام، لذلك نذهب مطمئنين”. وذكر بان البابا الارجنتيني رفض دوماً “ربط الاسلام بالارهاب… وهذا ما حمل المسلمين على الاعتراف به، تقديرا لمواقفه”.
وعلق البابا فرنسيس الاحد على الاعتداء المزدوج وقرأ نصا يطلب الصلاة من أجل الضحايا، وقدم تعازيه الى الأنبا تواضروس الثاني، والى الكنيسة القبطية والى الشعب المصري بكل فئاته. وخلص الى القول: “فليهد الله قلوب الذين يزرعون الرعب والعنف والموت، وأيضاً قلوب الذين يصنعون السلاح ويتاجرون به”.
وسيقوم البابا بزيارة مصر من اجل الحوار وخصوصاً مع إمام الازهر الشيخ أحمد الطيب، أحد اكبر ممثلي الاسلام السني.