سركيس نعوم
النهار
01022018
لا يزال الرجل الأقوى في المملكة العربيّة السعوديّة أي وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان يُحيّر الباحثين الغربيّين والآسيويّين وعدداً من كبار المجتمع الدولي. وهم يُعبّرون عن حيرتهم بأسئلة أو بتساؤلات عدّة مثل: هل لديه تصوُّر واضح لـ”الإسلام المُعتدل” الذي أعلن أكثر من مرّة، في مقابلاته الإعلاميّة المحصورة بوسائل الإعلام الغربيّة، أنه يتبنّاه وسيعتمده أو بالأحرى سيُطبّقه في بلاده على حساب الإسلام الأصولي المُتشدِّد جدّاً الذي لا مكان له فيه ليس فقط لغير المسلمين، بل أيضاً للمؤمنين بكلام الله عزّ وجلّ إلى الناس عبر النبي العربيّ الكريم محمد ابن عبدالله؟ هل يعتزم تطبيق “الإسلام المُعتدل” هذا على بلاده وشعبها فقط، أم أن مشروعه يقضي بتعميمه على العالمين العربي والإسلامي، كما على المسلمين الموجودين في “العوالم” الأخرى المسيحيّة والبوذيّة و”العلمانيّة”، سواء بوصفهم مواطنين أو مقيمين في صورة شرعيّة أو لاجئين جرّاء الحروب في بلدانهم واستغلال مافيات التهريب لمآسيهم؟ هل سيُوظِّف “الإسلام المُعتدل” من أجل إرساء أسس زعامة المملكة العربيّة السعوديّة للعالم العربي بل للعالم الإسلامي كلّه، أم سيستمر في اعتماد الإسلام السائد فيها منذ ما قبل تأسيسها من أجل تزعّمهما، ولا سيّما في المرحلة الراهنة حيث التطرّف الديني الإسلامي مُنتشر كالفطر الأمر الذي يجعل قيادتهما أكثر سهولة، وحيث “الإسلام النقي” كما يُسمّيه العلماء السعوديّون مُترسِّخ فيهما بفضل دُعاتها الذين أرسلتهم إلى العالم بعشرات الآلاف لنشر الدعوة، وأنفقت عليهم وعلى الذين استجابوا للدعوة قرابة مئة مليار دولار أميركي على مدى عقود؟ علماً أن الإنصاف هنا يقتضي الإشارة إلى أن السعوديّة مارست دوراً قياديّاً دائماً في أوساط المسلمين العرب وغير العرب ليس فقط بسبب ثروتها النفطيّة ومردودها المالي البالغ الضخامة، بل أيضاً بسبب وجود “الحرمَيْن الشريفَيْن” فيها وبحكم تمتّع وليّ الأمر فيها أي مليكها صفة خادم هذيَنْ “الحرمَيْن” التي قبلها مُسلمو العالم كلّهم. ولم تطلع أصوات مطالبة بتغيير هذا الواقع إلّا عند حصول أزمات سياسيّة أو مذهبيّة أو قوميّة مع دول إسلاميّة وعربيّة. وإيران الإسلاميّة كانت أحد هذه الأصوات، علماً أنها لم تكن ترتفع إلّا عند اشتداد الصراع مع المملكة رغم أنها تأسّست منذ نحو 38 سنة. وأحد أسباب ذلك معرفتها أن العالم السُنّي العربي وغير العربي لن يقبلها “خادمة للحرمَيْن” بسبب شيعيّتها. أما الأصوات العربيّة المُناهضة للمملكة في مراحل معيّنة منذ مُنتصف القرن الماضي فكانت مصر عبد الناصر أبرزها، باعتبارها الدولة العربيّة الأكبر ديموغرافيّاً والأقوى عسكريّاً وصاحبة النفوذ الشعبي الواسع في ديار العرب كلُّهم، كما في ديار غير العرب من المسلمين. لكن مصر لم تُطالب يوماً بتخلّيها عن “خدمة الحرمَيْن الشريفَيْن”. أمّا السؤال أو التساؤل الأخير فهو: هل سيستعمل وليّ العهد محمد بن سلمان تحويل شعبه إلى “إسلام مُعتدل”، وإفساح المجال أمامه كي يُمارس برجاله ونسائه حياة حديثة وإن مُحتشمة، وكي يحتفظ هو والعائلة بالسيطرة المُطلقة على البلاد، ويستمرّ في تجاهل اشتراكه في حياة سياسيّة لم يعرفها يوماً منذ تأسيس المملكة؟ أم أنّه سيُفاجئ الجميع ببرنامج انفتاح سياسي مُتدرِّج يدعم “الإسلام المُعتدل” الذي يبشِّر به والإنفتاح الاجتماعي الذي بدأه بسلسلة إجراءات مُهمّة، منها السماح للنساء بقيادة السيّارات ودخول الملاعب الرياضيّة، كما السماح بإقامة حفلات غنائيّة وموسيقيّة، ولاحقاً بافتتاح صالات سينما بعدما حُرِّمت على السعوديّين عقوداً طويلة؟
طبعاً لا وجود لأجوبة كهذه، لكن هناك محاولات أجوبة تستند إلى مراقبة ومُتابعة يوميَّتين للأوضاع المتنوّعة في المملكة تقوم بهما الدول المعنيّة والكبرى في المنطقة والعالم عبر زيارات لمسؤوليها وديبلوماسيّيها ورجال أعمالها. وتستند أيضاً إلى مُتابعة يقوم بها الباحثون والإعلاميّون. لكن المؤسف في هذا المجال أن العقل العربي لا يزال يعتبر “كل شيء فرنجي برنجي”. ولذلك فإن الأبواب تفتح للإعلام والنخب الغربيّين على وجه العموم وأحياناً الآسيويّين. ويتمّ التعامل معهم بصراحة. طبعاً لا يعني ذلك عدم وجود اتّصال ودائم أحياناً بين إعلاميّي دول العرب وباحثيهم مع المملكة وغيرها. لكن المسموح لهم وبواسطتهم هو مدح حكّامها والأنظمة والترويج لسياساتهم وهِجاء أخصامهم وأعدائهم. أمّا “الوثائق” ومحاضر اللقاءات والمواقف الفعليّة فتبقى لـ”الأجانب”. ولا ينتقص هذا الكلام من كفاءاتهم، لكنّه ينتقد الانتقاص من كفاءة العرب.