الرئيسية / home slide / أربعون لقمان سليم: الهاتف وكتاب نتانياهو وفراغ التحقيق

أربعون لقمان سليم: الهاتف وكتاب نتانياهو وفراغ التحقيق

نادر فوز|السبت13/03/2021
Almodon.com

في السيارة صندوق خضر وفواكه وكتاب مضرّج بالدماء (Getty)

اغتيل لقمان سليم في 4 شباط ولا أربعينية لذكراه. أو أقلّه الأربعينية مؤجلة لأسبوع أو اثنين. اخترق فيروس كورونا
العائلة وأصاب والدته الباحثة سلمى مرشاق، وأخاه هادي الدكتور في القانون. وكل الترتيبات التي كانت مقرّرة ليوم الأحد في 14 آذار، أرجئت. هما بصحة جيّدة، على ما تؤكد رشا الأمير، الشقيقة التي وجدت نفسها فجأة يوم الاغتيال في هذه الظروف المروّعة. ضحية على الأرض، تحقيق مشلول، أربعينية مؤجلة، وتسريبات مستمرة لوقائع الجريمة في الإعلام. فخبث كورونا ليس أقلّ وطأة من خبث أجهزة سياسية وإعلامية تعمل ليل نهار على ادعاء تسريب معلومات من التحقيق من هنا، واستكمال تحريض من هناك. وكل هذا بانتظار تحقيق لم يجهز، ولن يصدر. حتى الداعون إلى عدم إصدار الأحكام بانتظار صدور نتائج التحقيق يعرفون ذلك، لا بل هم على يقين من ذلك.

التحقيق وأسئلته
لم يصدر عن السلطات اللبنانية، حتى اليوم، أي معلومات أو تقارير حول اغتيال لقمان سليم. في حين يستمرّ تسريب الأخبار حول وقائع حصلت ولم تحصل، بقصد أو من دونه. وسؤال مستمرّ حول مصير هاتف الضحية، الذي يمكن أن يكشف بعض الوقائع الإضافية. أين هاتف لقمان سليم؟ سؤال متكرّر. في مقابله، أسئلة واقعية أخرى يمكن طرحها في هذا الخصوص. هل من ثقة بالأجهزة الأمنية للتفتيش في هاتف لقمان؟ هل من ضمانات بعدم تسريب محتوياته الخاصة والعامة؟ هل من يسأل عن الهاتف سأل عن سلاح الجريمة؟ مسدّس؟ من أي عيار؟ نوعه شرقي؟ ما البصمات التي استخرجت من رصاصاته؟ أي من الرصاصات الستّ أطلقت على لقمان؟ هل كانت تلك التي استقرّت في خاصرته لأنه قاوم القتلة؟ أو قتل فوراً في إحدى رصاصات الرأس؟ هل قاد سيارته تحت تهديد السلاح إلى الذبح أم أنّ الخاطفين ساقوا به؟ كيف تمّ نصب كمين اختطافه؟ سيارتان أو أكثر؟ 4 منفذين للقتل أو 6؟ ماذا عن كاميرات المراقبة المنصوبة على خطوط سير الخاطفين على طول 36 كيلومتراً؟ ماذا عن داتا الاتصالات التي يمكن أن ترصد حركة الهواتف في محيط لقمان؟ هل من شبكات حمراء أو صفراء وأرجوانية استخدمها القتلة؟ كيف تمحورت حركة مراقبة سليم والتحضير لعملية القتل؟

تقرير دولي
يدرك مسؤولون أمميون أنّ جريمة الاغتيال وقعت في نطاق عمل قوات اليونيفيل، أو أقلّه أنّ عملية الخطف حصلت على أراضٍ يسري عليها مفعول القرار 1701. فمن جملة مهام القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان، حسب المواد المنشورة على موقع الإلكتروني، “حماية المدنيين المعرضين لخطر العنف الجسدي، من دون المساس بمسؤوليات حكومة لبنان”. وإلى اليوم لم يصدر أي تقرير عن الأمم المتحدة بهذا الشأن، صدرت مواقف شجب من ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان ونائبته. أما قوات “اليونيفيل” فلا تزال صامتة حيال الجريمة.

وبحسب ما علمت “المدن” فإنّ مكتب الأمانة العامة للأمم المتحدة في نيويورك لم ينته إلى اليوم من إعداد تقريره حول الاغتيال، في حين تتّجه مواقف المسؤولين فيه إلى دعوة الحكومة اللبنانية إلى القيام بواجبها في هذا الإطار، من خلال إرساء الشفافية على التحقيقات التي تجريها. وهذا ما أكد عليه الناطق باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دجورايك يوم 9 شباط الماضي. والعالمون بحال قوات الطوارئ الدولية، يشيرون إلى أنّ قيادتها ليست بوارد إثارة أي إشكال أو تأزيم علاقاتها بالمجموعات اللبنانية النافذة، تحديداً تلك المعنيّة بجنوب لبنان. فيبدو التعويل على أي تقرير أممي يكشف جوانب إضافية لجريمة الاغتيال وتنفيذها ومنفذّيها في غير محلّه. لقمان، أهله، أصدقاؤه، الناس، متروكون وحدهم مجدداً أمام اغتيال مجهول ولو أنّ بصماته السياسية واضحة.

كتاب الدم
فراغ التحقيق من المضمون، والجمود الذي يخيّم عليه، يترك الخيال لكل من يعنيه القضية لينسج السيناريو الذي يراه منطقياً. اعتراض سيارته، تهديده بالسلاح، إطلاق الرصاصة الأولى، رمي هاتفه، ضربه، سوقه إلى خشبة المذبحة، معايرته، إنهاء حياته. أو أنّ الجريمة حصلت من دون كلام، وبصوت مخنوق وكاتم. لا تزال مقتنيات لقمان الشخصية مفقودة. وُجد جثة بلا أوراق ثبوتية لتأخير الكشف عن هويته، التي تم تحديدها بعد الاتصال بشركة تأجير السيارات التي يقود إحدى سياراتها. وُجدت أكياس في صندوق سيارة الجريمة، عُثر على أكياس فيها خضار كان قدّ أرسلها صديقه محمد الأمين لزوجة لقمان. وفي صندوقها أيضاً، خضار وفواكه كان قد اشترتها الضحية للعائلة. على المقعد الخلفي، كتاب “مكان تحت الشمس” لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. من يعرف لقمان يعرف أنه لا يغوى هذا النوع من الإصدارات. ليتبيّن أنّ الكتاب كان قد أهداه للقمان أحد من شاركوه غداءه الأخير في بلدة صفارية يوم السبت الذي سبق اغتياله. أيّ أنّ الكتاب بقي في السيارة 6 أيام، وعُثر عليه مضرجاً بالدماء. فكان لقمان فصلاً جديداً من فصول كتاب الدمّ اللبناني والجرائم التي لا تحقيقات بها ولا قتلة فيها. جريمة موصوفة، كاغتيال جو بجاني في الكحالة الموثقة بالفيديو، لا يؤدي التحقيق فيها بعد 3 أشهر على ارتكابها إلى أي نهايات.

تروما الليلة الأولى
تروما الليلة الأخيرة التي عاشتها رشا الأمير، بعد فقدان الاتصال بلقمان لحين العثور على جثته، لا تزال مسيطرة على المشهد. أرسلت رسالة نصية أولى، وثانية، وثالثة صوتية، لم يجب على أي منها. الهاتف كان لا يزال يعمل من دون أي يردّ عليه أيضاً. اتصلت بصديقه شبيب، وأكد الأخير مغادرته نيحا. اتصلت بمحامي العائلة، بأخيها في فرنسا. اتّصلت بطبيب العائلة، وللمصادفة هو وزير الصحة السابق جميل جبق، المقرّب من حزب الله. بشقيقة نائب رئيس المجلس السياسي في الحزب، الوزير السابق محمود قماطي. “نسأل ونعود” أجابا، ولم يأتيا بأي جواب. اتصالات بالمستشفيات، بقوى الأمن الداخلي، بصديق يعرف أحد ضباط الأجهزة الأمنية، أيضاً لا جواب. زوجته، مونيكا، قادت سيارتها جنوباً بحثاً عنه أو عن أي حادث سير على الطريق. لم تعثر على أي شيء أيضاً. حدّدوا مكان الهاتف، وباقي السيرة معروفة. كل هذه التفاصيل تصلح لأن تكون جزءاً من رواية القتل المستمرّ في كتاب الدمّ اللبناني. مخيّلة القتلة غير الخصبة، تترك لنا التفكير بسيناريوهات أكثر نشاطاً وتعقيداً. ليس تجميلاً للجريمة، بل تفكيكاً لها. بالنسبة للقتلة، نفذّوا جريمة واختفوا، كفعل عادي يمتهنونه. أدوا وظيفة يتقاضون راتباً مقابلها. بالنسبة لنا، رسالتها ووقعها شديدان. “لا نريد فأراً أو أجيراً قتل لقمان”، يقول عدد من الدائرة القريبة للضحية. يريدون أولئك الذين أمروا وخططوا للجريمة.

اليوم يعود النشاط إلى المشاريع التي كان يعمل عليها لقمان سليم في مكتبه ومنزله في حارة حريك. مشاريع إصدار كتب وإنتاج إفلام ووثائقيات وندوات، عادت وتحرّكت عجلتها . وهي مهام تدرك زوجته وشقيقته مشقّة استكمالها وحيدتين. فمقتله، جريمة سياسية ومحاولة لنسف نشاطه المتنوّع في انتاجاته. قتلوه فأخرسوا “صديقته الشريرة” التي كانت تنشط على مواقع التواصل الاجتماعي ناطقةً برأي ووجهة نظر. ولا مكان لوجهات النظر في مجتمع عسكري وبوليسي مشبّع بالحقد والكراهية. هذا ما ترسيه ثقافة كواتم الصوت.