الرئيسية / home slide / أدوار بكركي التاريخية وإنجازات البطاركة القدامى

أدوار بكركي التاريخية وإنجازات البطاركة القدامى

05-02-2023 | 21:05 المصدر: “النهار”

مجد بو مجاهد

مجد بو مجاهد

الصرح البطريركي في بكركي (أرشيف "النهار").

الصرح البطريركي في بكركي (أرشيف “النهار”).

صون الكيان كهدفٍ دائم عمل أبناء هذه البقعة من الأرض لأجل تحقيقه على اختلاف الصعوبات والتحديات التي عرفها اللبنانيون، كان بمثابة السمة المرافقة للأهداف التاريخية للبطريركية المارونية والمتجلّية راهناً في “الانتفاضة المتجدّدة” في عهد البطريرك مار بشارة بطرس الراعي وأحدث خطواتها المتمثلة في توصيات القمّة المسيحية قبل أيام. وإذا كانت بارزة أدوار بكركي في محطات التاريخ الحديث، إلا أنّ السعي إلى الحريّة كان ولا يزال الفعل المستعاد الذي يتكرّر التوق إليه كلّما اشتدت قبضة الهيمنة على أراضي لبنان. وتتعدّد أسماء البطاركة الموارنة الذين حملوا شعلة هذه المسيرة وطلبوا معونة أقطاب العالم، التي تجلّت أبهى حللها في القرن السادس عشر عندما تعاظمت علاقات جبل لبنان مع توسكانا. وتتوسّع المصادر والمراجع اللبنانية في الحديث عن هذه المرحلة التي بدأ يزداد فيها الدور الماروني في جبل لبنان الجنوبي فشكل الموارنة حزاما دفاعياً. وقد كان للكنيسة المارونية الدور البارز في تشجيع الأمير فخر الدين الثاني الكبير على اقامة علاقات مع توسكانا.

وتضيء نصوص تركها البطريرك اسطفان الدويهي في كتاب “تاريخ الأزمنة” وتستند “النهار” إلى استطلاعها في الاضاءة على تلك المرحلة. وبعد الأمير فخر الدين، استمرّت علاقات الأمير ملحم بن يونس المعني مع التوسكانيين، وذلك بواسطة مبعوثيهم، وبواسطة المراسلات مع وجهاء وأساقفة الموارنة، التي مدحت الأمير المعني لمواصلته سياسة عمه في حماية الكنيسة المارونية. وكان أتباعه والمقرّبون منه من الموارنة يهدون تحياته إلى البلاط التوسكاني والبابوي. واستمر حكم المعنيين تحت ولاية ملحم الذي توفي سنة 1658، وقد ترك ولدين، أحمد وقرقماز. وهما كانا يرغبان أيضاً في إعادة العلاقات مع توسكانا. 

ويُذكَر في الوقائع التاريخية أن هناك رسالة نادرة موجهة من الشيخ أبي نوفل الخازن، الذي عين كاخية للأميرين، إلى الغراندوق فردينان الثاني؛ جاء فيها: “أخبر سموكم بانتقال الأمير ملحم إلى الحياة الأخرى. وكان دائما يتحدث إلى ولديه عن الصداقة المتينة التي كانت تربط أجدادهما وسموكم. وقد خلفه ولداه الأميران أحمد وقرقماز في الولاية على البلاد التي كان يحكمها. وكتبا إلى سموكم، رغبة منهما في مواصلة الصداقة والمراسلة، كما سبق لأجدادهما وسموكم. وهما يرغبان إليكم أن تتكرموا بالسماح للآباء اليسوعيين، المأذونين من رئيسهم، بأن يحملوا إليهما صورة عمهما الأمير فخر الدين المرسومة في قصر سموكم، أو بأن يستنسخوها. فيرسلوها من ليفورونو إلى هنا في أول مركب قادم إلى صيدا أو بيروت. عن بيروت في 20 تموز 1659”.

الأدوار التاريخية للكنيسة المارونية، يعبّر عنها أيضاً مؤلف كتاب “الموارنة من أعماق المعاناة إلى رجاء القيامة” عضو الرابطة المارونية الدكتور أنطوان نجيم الذي يروي لـ”النهار” مقتطفات من مراحل مهمة بدءاً من التذكير بالمكاتيب الثلاثة التي أرسلها البطريرك موسى سعاده العكاري (بطريرك الموارنة 1524 – 1567) إلى الامبراطور شارلكان؛ أشار خلالها إلى (أننا كعرب مسلمين ومسيحيين في لبنان نريد الخلاص من الاحتلال العثماني، مع الاستعداد للقتال من خلال 50 ألفاً من المقاتلين لكننا لا نحوز السلاح الثقيل للقيام بحرب تحريرية). وكان البطريرك العكاري ناشطاً مع الحكام المعيّنين وسط عمله المعمّق للحصول على استقلال المنطقة التي يشرف عليها بطريرك الموارنة”. 

ويضيء نجيم أيضاً على “دور البطريرك جريس عميرة الذي اضطلع بأدوار أساسية في مرحلة الامارة المعنية من خلال تعاونه مع الأمير فخر الدين الثاني الكبير، فإذا به يُصدر كتباً هادفة إلى المساعدة في بناء البنية التحتية والجسور وتطوير علاقة الامارة مع مهندسين ايطاليين. وشكّلت تلك المرحلة بداية اللحمة اللبنانية والمساهمة في نموّ البلاد، في وقت أعفى فخرالدين البطريرك عميرة من نصف الضرائب المترتبة على البطريركية كمكافأة على دوره الطليعي. وكان فخرالدين يحتكم إلى تلاميذ المعهد الماروني في روما ليكونوا سفراء للامارة في الخارج ومن أبرزهم المطران جريس مارون؛ وهم حاوطوه عندما غادر 5 سنوات إلى توسكانا وساعدوه على بناء علاقاته هناك”. وبرز أيضاً “دور البطريرك المكرم اسطفان الدويهي الذي كان يراسل دول الغرب بهدف المساعدة على تعيين قناصل من اللبنانيين في الغرب خدمة لمصالح لبنان وعلاقاته هناك. وساهم الدويهي في تجديد الطقوس المارونية وكان بمثابة مؤرخ للتراث والأحداث التي عاشتها الفئات اللبنانية المضطهدة من الحكم الرسمي وقتذاك وعمل على بلورة دورها بهدف التحرّر من الاضطهاد”.

وفي القرن التاسع عشر، يذكّر نجيم بدور “البطريرك يوسف حبيش المهم جداً في إرسال مكاتيب إلى السلطان للمطالبة في تأليف حكومة من المحليين للحصول على حكم ذاتي كامل في جبل لبنان. وعمل كثيراً على تهدئة الأحوال بعد أحداث 1840. ثمّ حضّر البطريرك بولس مسعد الأرضية للبطريرك الياس حويك في شكل واضح بعدما أُعلِنت معه المتصرفية كبداية استقلال نسبي لجبل لبنان. واستكمل البطريرك الحويك المهمة في مطالبته باستقلال لبنان في فرساي استناداً إلى حدوده التاريخية والطبيعية التي عُرفَت في مرحلتي الامارتين المعنية والشهابية. ولم يكن قيام لبنان الكبير محض مصادفة بل نتيجة نضال دائم ومستمرّ وصولاً إلى البطريرك الحويّك الذي جسّد اعلان الدولة بحدودها المتعارف عليها اليوم. واضطلع الحويك بدور رقابة معنوية للسلطة تحضيراً للاستقلال الفعلي الناجز وكان يعاين حسن تصرف الحكومة للحفاظ على مطلب الاستقلال اللبناني ومحاربة الفساد داخل الدولة. واعتُبر صوت المظلومين الذين كانوا يسعون إلى تأمين حقوقهم من الدولة في موضوعية وعدالة”.  ويركّز نجيم أيضاً على “البطريرك أنطوان عريضة الذي نادوا باسمه أعيان المناطق والطوائف اللبنانية كبطريرك الاستقلال لمساعدتهم على تحقيقه ناجزاً وكاملاً حتى حصل ذلك عام 1943. ثم حرص البطريرك مار نصرالله بطرس صفير على تحقيق الاستقلال الثاني وتأمين حقوق لبنان واعتُبر بطريرك مقاومة الاحتلالات، وصولاً إلى بطريرك حياد لبنان والموضوعية مار بشارة بطرس الراعي”.

majed.boumoujahed@annahar.com.lb