20-01-2021 | 00:00 المصدر: النهار


أجندات سريّة قيد البحث
هدوء خادع يلفّ الحياة السياسية في #لبنان منذ أيام أو أسابيع قليلة. صمتٌ مريب لا تقطعه إلا “مفرقعاتٌ” كلامية تنفجر بين حين وحين، فتؤجّج المنابر وتسمّم الأجواء. هي قنابل صوتيّة تذكّر الرأي العام بأن الصمت السائد ليس دليلا على الوئام والسكينة، بل هو يخفي جبالا من التناقضات. خلف الهدوء المصطنع يجري التداول، للمرّة الأولى ربّما، بإعادة النظر بالدستور والنظام، والمواثيق التي رست عليها الحياة السياسية منذ نهاية الحرب. إعادة النظر بالأحكام والأعراف الدستورية ليست خطأ أو خيانة، فالكل يعلم أن النظام السياسي فشل فشلا ذريعا وعجز عن منع انهيار البلاد، بل هو المسؤول عن وصولها إلى حافة المجاعة والإفلاس. لا بدّ من #تطوير النظام، لكن الوقت الآن ليس مناسبا للعبث بالدستور أو مراجعة المعادلات الطائفية في السلطة، بل الأولوية هي لإخراج لبنان من محنته الاقتصادية. فالهدوء السياسي المصطنع لا يعني بأن الجبهة الاقتصادية قد توقّفت عن الحركة. الأزمة الاقتصادية تواصل تفاقمها والأرقام السلبية تتلاحق، لتؤشّر على استمرار التقدّم نحو الانهيار في ظلّ الجمود القاتل في الحركة السياسية، وشلل السلطة وتقاعسها عن إيجاد الحلول. لا شيء يوقف انكماش الاقتصاد ولا إفلاس المؤسّسات وتسريح المستخدمين، ولا شيء يحدّ من القضم المستمرّ لاحتياطات العملات الأجنبية، التي كانت تتراجع بمقدار مليار دولار كل شهر على مدى العام الماضي بكامله. وإذا كان الإنفاق العام يتراجع بسبب ضيق الموارد المالية وشلل الدولة، فإن العجز مستمرّ وجبل الدين العام يرتفع “شبراً” كل يوم. التضخّم لا يرحم ولا يعطينا فرصة لكي نراجع الدستور، أو لكي يحاول كل فريق زيادة حصّته في السلطة، بل هو يدفع اللبنانيين كلّ يوم إلى الفقر والعوز، بيتا بيتا وعائلة عائلة. نقلت التقارير المصرفية في اليومين الأخيرين عن “مؤسّسة البحوث والاستشارات” أن مؤشّر أسعار الاستهلاك ارتفع في تشرين الثاني الماضي بنسبة 113 بالمئة تقريبا، قياسا بما كان عليه في تشرين الثاني 2019. وتوقّعات التضخّم في المستقبل القريب مخيفة إذا لم تهتد الدولة إلى مخرج من الأزمة.”الطريق المشروع” للطموحات الطائفية والسياسية يمرّ أولا بتشكيل حكومة ذات رؤيا وقادرة على اتّخاذ القرارات، وتوفير إجماع وطني على الحلول الصعبة التي لا مفرّ منها. ويلي ذلك إعلان خطة ذات مصداقية بنظر الشركاء الداخليين والدوليين ويبدأ تنفيذها دون إبطاء. بعد الوصول إلى شيء من الاستقرار الاقتصادي يمكن فتح حوار سياسي لا بدّ منه حول الدستور والنظام. لا يمكننا انتظار القوى السياسية حتى تجرّب حظّها في تنفيذ المشاريع التي تتداول فيها في الخفاء. فهذه المشاريع لا تتطلّب وقتا فحسب، بل هي تهدّد الاستقرار الوطني والسلم الأهلي، وقد لا يبقى هناك لبنانيون أحياء حتى تصل هذه المغامرات إلى منتهاها. إذا كان هناك من يفكّر باستعادة صلاحيات رئيس الجمهورية التي انتزعها منه اتّفاق الطائف، فهذا طريق شائك وطويل، وإذا لم يتمكن هذا الطريق من إعادة لبنان دستوريا إلى ما قبل الطائف فإنه قد يعيدنا أمنيا إلى تلك المرحلة السوداء. وإذا كان هناك من يسعى، كما يُقال، لإحلال المثالثة محلّ المناصفة فيجب أن يكون واضحا لديه بأن المناصفة هي القاعدة الأساسية التي بني عليها اتفاق سنة 1989، فإذا اهتزّت القاعدة اهتزّ كلّ البنيان. أمّا حلم الفيديرالية الذي يزدهر سرّا هذه الأيام، فهو حلم يتطلّب التفكير والتبصّر. صحيح أن الفيديرالية هي نظام متطوّر وعصري لإدارة الشؤون العامّة، لكن الفيديرالية الممكنة عندنا هي التي تقوم على أساس جغرافي، لا على أساس طائفي. أما فيديرالية المناطق الطائفية، التي تراود البعض، فهي لم تعد ممكنة في لبنان، بسبب الاختلاط الطائفي في معظم المناطق. فهل هناك من يتحمّل مسؤولية “التطهير العرقي” في المناطق اللبنانية تمهيدا لفيديرالية المناطق الطائفية؟