كاتب المقال : شادي اويس
عن المدن الإلكترونيّة
23 12 2016
مريانا مراش: أول صحافية عربية وأول شاعرة سورية، تأثرت بالصالونات الثقافية الباريسية ففتحت بيتها الحلبي لرواد عصر النهضة
لصورة فوتوغرافية للشاعرة والكاتبة الحلبية، مريانا مراش، قبل أعوام، سبباً لافتتاني بالمدينة التي كانت، في منتصف القرن التاسع عشر، مركزاً لالتقاء أحداث وتواريخ لا تقل اضطراباً ودموية عن اليوم. يحلو للباحثين في سيرة مريانا، المولودة في حلب العام 1848، أن ينسبوا لها السبق كأول امرأة عربية تكتب في الصحافة العربية بشكل دوري، بعد نشرها مقالها الأول في العام 1870 مذيلاً بتوقيع “امرأة”، كما يعتبرونها السورية الأولى، التي نشرت ديواناً شعرياً في العصر الحديث، بعد نشر ديوانها “بنت فكر” العام 1893. وبالاضافة إلى اعتبار البعض لها أول رائدة للحركة النسوية العربية، يرجّح أن مريانا التي شجعتها زيارتها لأوروبا على فتح بيتها في حلب لاستقبال النخب الثقافية ورواد عصر النهضة العربية، هي أول من استجلب تقاليد الصالونات الثقافية، بسِمتها الباريسية، إلى المجتمعات العربية.
بعصره، وامتداد شبكاتها المادية والثقافية من حلب إلى القاهرة مروراً بمانشستر وباريسوفيما تكثف سيرة آل مروش، عمليات صعود الطبقة الوسطى في حلب، ومركزيتها في صياغة
خطاب النهضة العربية، والترويج لقيم القومية والعلم والتمدن والإنسانية العالمية، وترسم صورة شديدة الثراء لعصر النهضة العربية وانتقال أفكاره ورواده بين عواصمه وأقطاره، فإن سردية آل مراش تكشف كذلك عن جانب شديد الاضطراب في تحولات مدينتها وعصرها
لا نعرف عن عم مريانا وأخويها، القس الكاثوليكي بطرس مراش، سوى أنه قتل في العنف الطائفي في المدينة الذي أندلع بين الروم الأرثوذوكس والروم الكاثوليك العام 1818، وهي الاضطرابات التي خلفت عشرات القتلى ومئات الجرحى، واستدعت تدخل الحامية العثمانية لإخمادها بالقوة المسلحة فسقط على إثرها عشرات القتلى أيضاً. ولاحقاً نُفيت العائلات الكاثوليكية من المدينة، ومن بينها عائلة مراش نفسها لبعض الوقت. وفيما حاول رب العائلة، القس فتح الله مراش، لاحقاً، مواجهة الطائفية، في كتابه الذي صدر العام 1894- بعد عام واحد من نشر ابنته مريانا لديوانها الشعري. أنكر في كتابه “قانون الإيمان”، واعتبر أن أصول الفتنة لم تكن لاهوتية بقدر ما كانت انعكاساً لتخبط سياسات الإصلاح العثمانية بخصوص المواطنة والحقوق القانونية للأقليات الدينية (المِلل)، وتضارب مصالح القوى الغربية وتنافسها على التدخل في الشأن السوري بحجة حماية الأقليات، مع تصاعد الوعي بالهويات الطائفية والإثنية والقومية في المشرق العثماني، بالإضافة إلى اتساع الفوارق الطبقية التي عمقها ازدهار التبادل التجاري مع الغرب، والذي استفادت منه أقليات بعينها على حساب السواد الأعظم من السكان
لم يُكتب لجهود فتح الله في مواجهة الفتنة أن تؤتي ثمارها. ففي العام التالي على إصدار كتابه، وفي العام 1850، اندلعت أحداث العنف الطائفي بين المسلمين والمسيحيين من سكان المدينة، والمعروفة باسم “قومة حلب”، فسقط مئات إن لم يكن بضع ألوف من المسيحيين، وأحرقت عشرات الكنائس والأديرة، ما أدى إلى هجرة جماعية لسكان المدينة من المسيحيين. كان لحلب، مركز أفكار النهضة العربية ونخبها في الشمال السوري، أن تكون موقعاً لما يطلق عليه كثيرون من مؤرخي الدولة العثمانية، أول مذبحة طائفية في التاريخ الحديث للمشرق العربي، ومقدمة لسلسلة من المجازر الطائفية في المنطقة، والتي سرعان ما تفجرت على نطاق واسع بعد عقد واحد، في الاقتتال الطائفي اللبناني الدرزي الماروني العام 1860، والذي امتدت مذابحه إلى دمشق، وتوجت بتدخل القوات الأوروبية، ما اعتبر حينها أول تدخل عسكري غربي “لأغراض إنسانية” في المنطقة